ومرّ صيفٌ بعلامته الفارقة..
عليها الآن أن تُعيد ترتيب أولوياتها واستئناف ملاحقة تفاصيل يومياتها..
ثمة اختلافٌ كبير بين الصيف الذي عاشته، وبين ذاك الصيف الذي تحدثت عنه الروائية كوليت خوري في رواياتها المعنّونة (ومرّ الرصيف)..
تذكر أنها قرأتها وهي طالبة جامعية.
نسمة الهواء التي دخلت من نافذة سيارة الأجرة، أوقفت خيط تداعياتها وأرجعتها إلى لحظتها الحالية.
منذ ساعتين وهي تتنقل من مكانٍ لآخر لغرض إجراء فحوصاتها الطبية المعتادة.. ولكي تستثمر الوقت والجهد وتنتهي من جدالاتها التي لا تتوقف مع سائقي سيارات الأجرة، قررت أن تستأجر التكسي نفسها لتمضية كل تنقّلاتها.
زحمة المهمّات والإجراءات التي تقوم بها، لم تستطع أن تزيح من ذهنها مشهداً وحيداً يتكرر دون توقف..
يبدو أن اللعبة كانت لعبة ظلّ وضوء..
كيف لم تنتبه إلى أشعة الشمس التي سقطت على “بروفايل” وجهه وجعلته يبدو بطريقة محبّبة لم تلحظها من قبل..؟!
ما حدث معها يشبه تماماً ما حدث مع “فيرمينا داثا” عندما نظرت إلى “فلورنتينو أريثا”، بطلي (الحب في زمن الكوليرا)، لحظة التقيا بطريقة مباشرة في السوق لأول مرّة بعد سنوات.
لم تشعر فيرمينا “بهيجان الحب كما في المرة السابقة وإنما بهاوية خيبة الأمل، وبلحظةٍ واحدة انكشف لها حجم الورطة التي أوقعت نفسها بها”..
ما حدث معها كان بطريقة معاكسة، لم يكن هاوية خيبة الأمل.. إنما انقلاب الأشياء وسرعة تحوّلها إلى ما لم تتوقع حدوثه..
ولتصبح نظرة تأمّل وحيدة كفيلة بتحويل العادي إلى “استثنائي”..
وكما عادة الاستثناءات الجميلة في حياتنا تأتي لمرّة واحدة.. ليتماهى بعدئذ برق الحب وصاعقة الموت حين يأتي سريعاً، خاطفاً، ومفاجئاً.
لم تستغرق طويلاً في مباغتات أفكارها حين قاطعها صوت سائق التكسي طالباً أجره، لتكون المباغتة الكبرى لها أن نهاراً وحيداً استهلك واستنزف ثلاثة أرباع ما يُطلق عليه أجر شهري.
رؤية – لميس علي