الثورة أون لاين – عبد الحليم سعود:
مرت الذكرى المؤلمة والحزينة لمجزرة صبرا وشاتيلا المروعة التي أشرف عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي ونفذتها مليشيات لبنانية عميلة له في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت عام 1982.
وفي التفاصيل فلإن ثلاث فرق عميلة يبلغ تعدادها نحو 1500 عنصر تؤازرها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقيادة الإرهابي إرييل شارون دخلت إلى المخيمين بحجة وجود مسلحين فلسطينيين داخلهما، وقامت بالإطباق على المدنيين العزل وقتلهم بدم بارد باستخدام السلاح الأبيض في نية مبيتة لارتكاب مجزرة، حيث قضى فيها أطفالٌ في سن الثالثة والرابعة وُجدوا غرقى في دمائهم، ونساء حوامل بقرت بطونهن، وثمة نساء تم اغتصابهن قبل قتلهن، ورجال وشيوخ ذُبحوا دون رحمة، وكل من حاول الهروب من المخيمين كان مصيره القتل، حيث تواصلت المجزرة لمدة ثلاثة أيام بلياليها، حيث تكفلت قوات الاحتلال الإسرائيلي بإنارة سماء المخيمين بالقنابل المضيئة لتسهيل عمل القتلة، بعد أن أحكمت الآليات الإسرائيلية إغلاقَ كل المداخل إلى المخيمين، ولم يُسمح للصحفيين ولا لوكالات الأنباء بالدخول إلا بعد انتهاء المجزرة، حيث استفاق العالم على مذبحة من أبشع المذابح في التاريخ الحديث، وفي حين اختلفت الروايات حول أعداد الضحايا إلا أن بعض التقديرات أشارت إلى حوالي 4000 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من أي سلاح.
لم تكن مجزرة صبرا وشاتيلا أولى مجازر الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين ولن تكون الأخيرة، فقد سبقتها مجازر كثيرة جداً مثل دير ياسين وكفر قاسم وقبية والطنطورة، ومذابح مخيم جنين والحرم الإبراهيمي ومجازر أخرى عديدة كان آخرها هذا العام خلال عملية “سيف القدس”، لكن بشاعة مجزرة صبرا وشاتيلا وطبيعة ظروفها وعدد الضحايا وصورهم مازالت عالقة في أذهان العرب والعالم، ورغم بشاعة المجزرة فإن المجتمع الدولي لم يقدم أياً من الجناة المعروفين وقادتهم إلى أي محكمة، ولم ينل أياً منهم أي عقاب على ما ارتكبته يداه، بل اقتصر الأمر على لجان تحقيق خلصت إلى نتائج لم تلحقها أي متابعات قانونية، وحتى اللجنة الإسرائيلية المسماة “لجنة كاهان” التي حققت بالمجزرة بعد ضغوط داخلية ودولية اكتفت بتحميل شارون مسؤولية غير مباشرة عن المجزرة لأنه لم يفعل شيئاً حسب زعمها لمنعها، فيما التقارير الصحفية وشهادات الناجين من المجزرة أكدت إشراف شارون وجنوده بأنفسهم على المجزرة عبر قصف المخيمين ومحاصرتهما ومنع أحد من سكانهما من الخروج وتسهيل دخول وخروج القتلة إليه وارتكابهم لجريمتهم بدم بارد وعن سابق إصرار وترصد وإخفاء الكثير من جثث الضحايا.
والأنكى من ذلك أن شارون نفسه أعيد انتخابه كرئيس لحكومة العدو الصهيوني في نهاية العام 2000 ليرتكب مجازر أخرى في فلسطين المحتلة مثل مجزرة جنين عام 2002، حيث قام بتدمير مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية فوق رؤوس ساكنيه وسط صمت المجتمع الدولي وتواطؤ الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، في الوقت الذي كان العرب يقدمون فيه مبادرة للسلام مع الكيان الصهيوني خلال قمة بيروت ليرد عليها شارون بأبشع ما يمكن كاشفاً للمرة الألف عن الوجه الحقيقي لمجرمي الحرب الصهاينة.
اللافت أنه بعد مرور ثلاثة وسبعين عاماً على إنشاء هذا الكيان الغاصب أن عقليته الإجرامية لم تتغير لحظة واحدة رغم ادعائه السعي نحو “السلام” والرغبة بتطبيع علاقاته مع الدول العربية والظهور بمظهر الضحية، فمع كل يوم يكتشف العالم أن هذا الكيان الإرهابي مستعد أكثر من ذي قبل للمضي في مجازره وجرائمه بحق العرب مستفيداً من تواطؤ ودعم المجتمع الغربي له، وخنوع واستسلام بعض الأنظمة العربية وانخراطها في عملية تطبيع مجانية معه وتخليها الكامل عن مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا ما يشجعه أكثر فأكثر على العدوان والغطرسة والتمادي في تحدي القوانين والأعراف الدولية، ولكن هذا لا يعني أنه بمنأى عن الهواجس والمخاوف الوجودية والخشية على مصيره، وقد أثبت الشعب الفلسطيني المقاوم على مدى سنوات الصراع أنه لا يمكن أن يستسلم أو يرضخ لمشيئة الاحتلال، وفي كل يوم يقدم أبناءه الأبطال دليلا جديدا على حيوية قضيتهم وعلى تمسكهم بحقوقهم وبأرضهم ومقدساتهم، وما حكاية أسرى الحرية الستة الذين قهروا سجانهم وأذلوا جبروته حين استطاعوا الخروج من سجن جلبوع عبر نفق الحرية -رغم اعتقال أربعة منهم مرة أخرى – سوى دليل عظيم على الإرادة الفولاذية التي يملكها هذا الشعب ومن ورائه محور مقاوم لا تلين عزيمته مهما اشتدت الصعاب والضغوط والتحديات.