رغم تمديد العرض لفترة إضافية، فقد احتشد الجمهور المتعطش للعروض المسرحية على شباك التذاكر حتى امتلأت مدرجات المسرح تماماً والفائض من الناس قد افترش الأدراج في حرص منهم على متابعة مسرحية “سوبر ماركت” التي كانت تلامس هموم الناس وقضاياهم ملامسة حية، وتتفاعل مع واقعهم، لتقدم معاناتهم بصورة خارجة عن المألوف وبأسلوب يجمع بين التراجيدي والكوميدي، بهدف تشكيل الوعي والفكر لدى المتلقي، وتكريس أهمية التمسك بالوطن والدفاع عنه مهما قست الظروف وتطاولت الآلام.
وهذا الإقبال اللافت على ارتياد المسرح يجعلنا نتوقف عند أهمية استثمار هذه الظاهرة الثقافية استثماراً فاعلاً، فهو المشروع الأكثر جدوى في إيصال القيم المجتمعية وترسيخها في أذهان الجمهور، والارتقاء بذائقته الفنية، فالمسرح ليس فعلاً ترفيهياً وحسب، وليس شباكاً للتذاكر يدر ربحاً وعائداً على أبطاله، بل منبراً ثقافياً نطلّ من خلاله على الجمهور بشكل مباشر ونقدّم له وجبة دسمة من الأفكار والقيم الجمالية، ونسلط الضوء على مفارقات المجتمع، وإيجاد الحلول الممكنة لها.
ومن هنا نجد أن الحاجة باتت ملحّة لإدراك قيمة المسرح الثقافية التنويرية والجمالية في الآن نفسه، ما يتطلب من القائمين على المسرح التوجه إليه بخططهم وأنشطتهم والعناية بتقنياته وبنيته التحتية وتشكيل الفريق الذي يعمل على تقديمه بالصورة اللائقة بأبي الفنون، وترسيخ هذا الفعل المسرحي الهادف فكراً وأسلوباً ووعياً.
ولأنه على حدّ قول المثل: “أهل مكة أدرى بشعابها” لا نستطيع أن نتطفل بتقديم عناوين للنهوض بالمسرح، ولكن لابدّ من الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بالمسارح المدرسية، ودعم الفرق المسرحية الشبابية، التي ربما تشكّل نواة حقيقية لمشروع مسرحي يستقطب الشباب، سواء في الحي أو المعهد والجامعات.
ولابأس من دعم التأليف المسرحي وإيجاد مسابقات دورية وتخصيص جوائز تحفيزية للنصوص المسرحية المتميزة، لرفد المسرح بنصوص محلية، بدل من الاستعانة بالنصوص الأجنبية التي ربما لا تشبهنا بالشكل والمضمون. وأظن من المفيد أيضاً إدراج الثقافة المسرحية في مناهج التعليم كافة، لأنها وقبل كلّ شيء هي ثقافة حياة.
رؤية- فاتن أحمد دعبول