الثورة أون لاين – ترجمة غادة سلامة:
تعد ألمانيا اليوم عملاقًا اقتصاديًا، ومحركًا لأوروبا، وتتمتع بالازدهار والعمالة شبه الكاملة على الرغم من انتشار الوباء، لكن هل يمكن أن تستمر هكذا؟.
هذا هو السؤال الذي يلوح في الأفق بينما تستعد أنجيلا ميركل لمغادرة المسرح السياسي بعد الانتخابات الوطنية في 26 أيلول، هناك علامات على أن ألمانيا ستكون ضعيفة اقتصاديًا مستقبلاً، وتفقد قدرتها التنافسية وغير مستعدة لمستقبل تشكله التكنولوجيا والتنافس بين الولايات المتحدة والصين.
يقول الاقتصاديون إن ألمانيا خلال فترة ولاية ميركل أهملت بناء بنية تحتية رقمية على مستوى عالمي، وأخطأت في الخروج المتسرع من الطاقة النووية، وأصبحت تعتمد بشكل كبير على الصين كسوق لسياراتها وصادراتها الأخرى.
وكان النمو القوي الذي حققته ألمانيا خلال فترة ولاية ميركل نتيجة للتجارة مع الصين، والتي ساعدت في تعزيزها، ولكن بشكل متزايد أصبحت الصين منافسًا قويًا في مجالات مثل الآلات الصناعية والسيارات الكهربائية.
يقول الاقتصاديون إن ألمانيا لم تستثمر ما يكفي في التعليم في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية، ويدفع الألمان بعضًا من أعلى أسعار الطاقة في العالم لأن ميركل دفعت لإغلاق محطات الطاقة النووية من دون توسيع شبكة مصادر الطاقة المتجددة في البلاد بما يكفي لتغطية العجز.
فبعد لقاء ميركل بالرئيس الصيني شي جين بينغ، في بكين عام 2019. نمت ألمانيا بقوة من خلال التجارة مع الصين، ولم يكن هناك الكثير من الضغط عليها للتركيز على السياسة الاقتصادية الأساسية، فالوباء كشف اعتماد ألمانيا الاقتصادي على الصين بشكل كبير في عهدها.
ففي عام 2005 كانت الصين تمثل جزءًا بسيطًا من الصادرات الألمانية، أما اليوم فالصين هي أكبر سوق لشركات صناعة السيارات الألمانية فولكس فاجن ومرسيدس بنز وبي إم بليو واستضافت ميركل القادة الصينيين في برلين وسافرت 12 مرة إلى بكين ومدن أخرى في الصين، غالبًا مع وفود من مديري الأعمال الألمان، لكن تشابك ألمانيا الاقتصادي مع الصين جعلها عرضة بشكل متزايد لضغوط معينة من أميركا والدول الأوروبية الأخرى.
في أواخر العام الماضي، بينما أخذت ألمانيا دورها الرسمي في وضع جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، دفعت ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثمن من خلال اتفاقية استثمار مع الصين بسبب اعتراضات إدارة بايدن، متجاوزين إلى حد كبير اعتراضات الحلفاء الأوروبيين الآخرين.
وقالت تيريزا فالون مديرة مركز دراسات أوروبا وآسيا في بروكسل: “التجارة الألمانية مع الصين تقزم جميع الدول الأعضاء الأخرى، ومن الواضح أن ألمانيا تقود السياسة الأوروبية في الاتحاد الأوروبي تجاه التعامل مع الصين، وقالت فالون إن اعتماد ألمانيا الاقتصادي على الصين “يدق إسفينًا في العلاقات عبر الأطلسي”.
لكن وزير ماليتها، وولفجانج شوبل، كان أيضًا من أبرز منفذي السياسات التي تحمي البنوك الألمانية بينما تفرض تقشفًا شديدًا على جنوب أوروبا، في ذلك الوقت رفضت ألمانيا دعم فكرة الديون الأوروبية الجماعية – وهو الموقف الذي تخلت عنه ميركل العام الماضي، وهي استفادت من الإصلاحات التي أجراها سلفها غيرهارد شرودر، والتي سهلت على الشركات التوظيف والفصل والضغط على العاطلين عن العمل لتولي وظائف منخفضة الأجر.
وأدى الإصلاح الاقتصادي لسلفها شرودر إلى انخفاض حاد في البطالة، من أكثر من 11 في المئة عندما تولت ميركل منصبها إلى أقل من 4 في المئة، لكن التغييرات لم تكن تحظى بشعبية لأنها أضعفت اللوائح التي تحمي الألمان من تسريح العمال.
لقد مهدوا الطريق لهزيمة شرودر أمام ميركل في عام 2005 كان الدرس الذي تعلمه السياسيون الألمان هو أنه من الأفضل عدم العبث بامتيازات الألمان، وأن ميركل لم تفعل ذلك في الغالب.
كانت العديد من الوظائف التي تم إنشاؤها ذات أجور منخفضة وتوفر فرصًا محدودة للتنقل التصاعدي. وكانت النتيجة أيضًا زيادة في التفاوت الاجتماعي، مع تزايد شيخوخة السكان التي يهددها الفقر بشكل متزايد.
قال مارسيل فراتزشر الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث DIW في برلين: “على مدى 15 إلى 16 عامًا الماضية، شهدنا زيادة واضحة في عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت خط الفقر والمهددين، وعلى الرغم من أن سنوات 2010 كانت ناجحة من الناحية الاقتصادية لم يستفد الجميع ما يعكس فشل ميركل في زيادة الاستثمار في البنية التحتية والبحث والتعليم، على الرغم من خلفيتها كعالمة فيزياء”.
منذ عام 2016، تراجعت ألمانيا من المركز الخامس عشر إلى المركز الثامن عشر في تصنيفات التنافسية الرقمية من قبل معهد الإدارة والتنمية في لوزان، سويسرا، والذي أرجع هذا الانخفاض جزئيًا إلى تدني مستوى التدريب والتعليم بالإضافة إلى اللوائح الحكومية. سيحتاج ما بين 40 إلى 50 في المئة من جميع العمال في ألمانيا إلى إعادة التدريب على المهارات الرقمية لمواصلة العمل خلال العقد المقبل، وفقًا لوزارة العمل.