افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله
الاجتماعات “الدورية” للجمعية العامة للأمم المتحدة تُمثل مُناسبةً مُتاحةً للعالم مرّة في السنة على الأقل ليُصوب المسار أو ليَطرح عناوين أخرى إذا لم تتطابق مع شُرعتها وميثاقها، فلعلّها تَقترب منها، ذلك بمُواجهة النفاق وعناوينه، والزيف وطرائقه. أما أن تَبقى المناسبة الإضافية المُتاحة لأميركا والمُلتحقين بها لإغراق العالم بمَزيد من الأكاذيب والتلفيقات التي تَبني عليها واشنطن ومُعسكرها فهو الأمر الذي لم يعد مَقبولاً استمراره بالمُطلق!.
بين سنة وأخرى، لو أُتيح لجهة بحثية دولية أن تَرصد بحيادية الفوارق في الخطاب والمُمارسة، فستَجد حتمياً أنّ الاجترار بعناوين النفاق والكذب الأميركي – الغربي يُسجل مستويات غير مَسبوقة، وأنّ العناد والصلف يَقطع مراحل أخرى، وأنّ الأوهام والأحلام والطموحات تتضاعف بدلاً عن التراجع عنها والتصالح مع الواقع!.
جو بايدن يَدعي أنّ بلاده لا تسعى لحرب باردة جديدة، ولا تبحث عن محاولة خَلق عالم مُنقسم حتى لو كانت الاختلافات الأميركية مع العالم كبيرة، فما “أوكوس” إذاً الذي يُهيئ لانقسامات حتى بين حلفاء أميركا؟ فضلاً عن أنه التحالف الجديد الذي من شأنه أن يُشرع الأبواب للبدء بحرب ساخنة ضد الصين؟!.
بايدن يَدعي أن بلاده تسعى لجعل الشرق الأوسط بأكمله يحظى بالسلام والأمن على نحو أفضل، بينما عَملياً لا تَدخر الإدارات الأميركية فرصة لتمزيق هذه المنطقة وتفجيرها!! وإنّ التبني الأميركي للسياسات الصهيونية في الاحتلال ومُمارسة الإرهاب المُنظم المثال الحي والدليل القاطع!.
بايدن يُفاخر بعد خروجه من أفغانستان بأنه: منذ 20 عاماً، وللمرة الأولى، سيَجد العالم أميركا لا تشارك بأيّ حرب، فما اسم احتلاله لمناطق في سورية والعراق؟ وما اسم الدّعم الذي تُوفره الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية “داعش والنصرة وبقية الفصائل الإرهابية” في سورية والعراق وليبيا واليمن وحول العالم؟ وما التّسمية التي تَنطبق على امتلاك واشنطن قواعد عسكرية ومَنظومات صاروخية مُحملة برؤوس نووية مُنتشرة حول العالم، لا تُهدد مباشرة الصين وروسيا فقط بل تُهدد العالم بأسره، وإيران ومنطقتنا في المُقدمة منه؟.
وما معنى الحروب التجارية – الاقتصادية التي تَشنها واشنطن في أربع جهات الأرض على شكل عقوبات ومُحاولات حصار بأدوات الإرهاب الاقتصادي الذي تُمارسه مُنفردةً وحَصرياً بالشراكة مع مجموعة أدواتها الرخيصة التي لا يملك بعضها من أمره شيئاً إلا أن يُطيع ويَمتثل لأوامرها؟.
إنّ هذا المستوى من الكذب والنفاق الأميركي – الأطلسي هو ما يُتيح لأردوغان أن يُبارز بايدن وسواه ويَتفوق عليه بالكذب عندما يَدعي على منبر الأمم المتحدة أنّ تركيا الحليف الوحيد للناتو الذي واجه “داعش” ودحرَ هذه المنظمة الإرهابية، فيما الصور والتسجيلات والوقائع المُوثقة تَفضحه وتُعريه هو و أسياده ومُشغليه لجهة إثبات عكس هذه الادعاءات، ذلك أنّ سرقة النفط السوري مارسها أردوغان شخصياً مع “داعش”، وذلك أنّ تركيا كانت وما زالت البوابة الرئيسة لمرور الدواعش وغيرهم من الإرهابيين إلى سورية والعراق وليبيا، وهي الخزان الحقيقي البشري والتسليحي للدواعش ومُشتقاتهم!.
تتباكى واشنطن والغرب على حقوق الإنسان المُنتهكة – حسب ادعاءات التباكي – وتُظهر مُستويات من الدّجل غير مَسبوقة في هذا الاتجاه لتَسويغ حروبها واعتداءاتها على الشعوب والحكومات، ولفرض هيمنتها على العالم، بينما كان في الاتجاه الصحيح قرارُ العالم بطرد الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، وهو القرار الذي يَنبغي أن يَتطور فيُبنى عليه في اتجاهات أخرى تَمنع بايدن – على الأقل – من التّشدق والتحدي لتلك الإرادة الدولية التي أخرجت أميركا من المجلس، ذلك بتأكيد أن لا قيمة لقوله: ستَستعيد أميركا مقعدها بمجلس حقوق الإنسان هذا العام!.
ميدانياً، وسياسياً، مُطالب العالم بمُخاطبة أميركا والغرب الاستعماري بلغة مُختلفة لطالما يَتوفر بين يديه الحجة والبرهان والدليل، وتَبدو اليوم أطراف كثيرة من هذا العالم أمام خيارات مَحدودة تَكاد تنحصر بين حَدّي: إعلان الانسحاب من التحالفات التي تربطها بالولايات المتحدة، أو الانقلاب العلني على هذه التحالفات والسياسات الأميركية المُثقلة بالكذب والمُؤهلة لارتكاب جرائم إضافية بحق الإنسانية.
منبر الأمم المتحدة المُتاح اليوم لمُعسكر العدوان الأطلسي الصهيو أميركي، هو مُتاح أيضاً للأطراف والقوى الدولية المُتضررة المُمسكة بالقوانين والمُتمسكة بالمَواثيق، فإذا كانت واشنطن تَستخدمه منبراً ووسيلة للاجترار والمُراكمة والبناء على عَناوين النفاق خاصّتها، فعلى الأطراف الأخرى أن تَعتبره مَحطةً للنهوض، ولإسقاط الأحلام والأوهام الأميركية، ولإرغام واشنطن على الاعتراف بكارثية سياساتها وإجبارها على الانكفاء والتراجع عن مُخططاتها الشريرة، ذلك كخطوة أولى بانتظار نضوج مَسعى الذهاب لمُحاسبتها بأثر رّجعي تحت قوس العدالة الدولية على كل الجرائم التي ارتكبتها، والويلات التي تَسببت بها للعالم وشعوبه.