لاجئٌ ويُعـيد

 

الملحق الثقافي:زهرة عبد الجليل الكوسى:

أثارت أناقته المفرطة انتباهي، وكان في سنتهِ الدراسيّة الرابعة، في كليّة الطب، ولفتني أيضاً، عطره المميز والجديد..!ّ.
كنتُ أتأمله بسعادةٍ عندما أسمع زقزقة الفرح في عينيه، أو أشعر بنسائمِ الحب وهي تهبّ من محياه الوديع.. أقول له مازحة: «والله عريس!! .. متى أفرح بك يا بنيّ.. إنشاء الله بعد التخرّج فوراً..»..
يردّ مداعباً وهو يضحك: «قريباً يا ست الكلّ، أريد أن أسمع أولادي ينادونك «تيتا»، بشرط أن تغيّري بنطال الجينز هذا، وتلبسي كما تلبس جدتي»!.
يهرب قبل أن أصفعه على كتفه أو وجهه، إن استطعت الفوز بضربةٍ خفيفة، وأنا أردّد: «اذهب من وجهي..».
لم يكن يعتريني أيّ خوفّ من فشله بالدراسة أو التراجع، أعرف مقدار عناده جيداً، وثقته بنفسه وطموحه، لكن الفضول جعلني استدرج «حازم» صديق طفولته، وصندوق أسراره، لأعرف من هي، وهل تستحقّ كلّ هذا الحب والاهتمام…
في حفلةِ عيد ميلاده، حضرتْ مع بعض زملائه، وفق اتّفاقي مع «حازم».. خجلها واحمرار وجنتيها، جعلاني أعرفها بسرعة، دون أن أضيّع وقتي في التخمين من تكون ببن الحاضرات..
كانت رقيقة كنسائمِ أول الفجر، سمراء ممشوقة القوام، كأنها قديسة هربت من إحدى لوحات رسام متصوّف.
اسمها «ريم»، ولها من اسمها، كلّ المعاني.
تخرّج ابني من كليّة الطب، بدرجة جيد جداً، عاوت سؤاله: «الآن بإمكاني أن أفرح بك.. لقد آن الأوان.. أليس كذلك يابني»؟.
صدمني جوابه: «تمهّلي يا أمي، بعد الاختصاص، بإذن الله».
حاولت أن أبسّط له هذه الخطوة، سيما وأن حالتنا المادية ميسورة نوعاً ما، مقارنةً مع محيطنا في المخيّم، أصرّ على رأيه، ونبرة الحزن في صوته أصابتني في الصميم، خاصة عندما تأكّدت أنهما على قيدِ الحبّ والأمل.
شعرت أنه يتهرّب من شيءٍ يزعجه، وقلب الأم لا يخطئ.
عقدتُ العزم على طلب يدها، طرقت بابها في اليوم التالي أنا وأختي، بعد موعدٍ مسبق مع والدتها، كما هي العادات والتقاليد في مجتمعنا.
كان استقبالاً حافلاً بالمجاملات المنمّقة، التي حملت من التكلّف ما يثير الارتباك والتململ، كأن المفردات مصنّعة في قوالبٍ جاهزة، معدّة خصيصاً لكلّ الضيوف، باردة وبلا روح !..
دخل علينا والد «ريم» فجأة، كأنه حاكم ولاية منسيّة الأمجاد، ولا يزال مصرّاً على منصبه!..
ضاق صدري في هذا الجوّ المشحون بالتمثيل الفاشل، طرحت موضوعي اختصاراً للزيارة، وسعياً لإنهائها والخروج من هذا المكان، الذي كنت أشعر بأنني أختنق في ضبابيّته.
قال الأب: «لنا الشرف بكم، لكن وكما تعرفين، نحن من مدينة «حيفا» في فلسطين، ولا نزوّج بناتنا إلا من سكان المدن، فمن الاستحالة التعايش مع أهل القرى والفلاحين، لأن الفوارق الاجتماعية، تدمّر الحياة الزوجية..
قال هذا، وأخذ يسهب في الشرح، عن الفوارق بين أهل المدن وأهل الأرياف، وأنا أتأمّل ضجيج روحه، في ضياعها المثير للجدل والشفقة..
قلتُ له ببرودةِ أعصاب، والاشمئزاز يتملّكني: «كلّنا لاجئون بعد النكبة، لا فوارق بيننا إلا بالانتماء الأصدق لفلسطين، وكما علمت فإنك لاجئ، ولدتَ في الكويت، حيث حطّت عائلتك رحالها إثر النكبة، ولم تولد في مدينتك البحرية في فلسطين، بل وقد طُردتم من الكويت بعد حرب الخليج الثانية إلى العراق، وبعد الحرب الأميركيّة على العراق، هربتم إلى سورية، فهل بإمكانك أن تقول لي يا ابن المدينة، كم مرّة أنت لاجئٌ ويُعيد؟!….

التاريخ: الثلاثاء28-9-2021

رقم العدد :1065

 

آخر الأخبار
"الصحة العالمية": تقلص وصول 7.4 ملايين شخص إلى العلاج في سوريا الخوف من التحدث أمام الجمهور.. يضعف الشخصية ويقتل الطموح أين تقف العلاقات الإنسانية في بيئة العمل؟ الطلاق.. ضحايا الأزمات الاقتصادية وزعزعة استقرار الأسر شتاينماير يدعو لعدم التسرع في ترحيل اللاجئين السوريين من ألمانيا الضغط النفسي قبل الامتحانات ودور الأسرة والمدرسة في دعمه دفء المواطنة الشرع يستعد لدخول البيت الأبيض في أول زيارة لرئيس سوري منذ الاستقلال إدارة ترامب تتحرك لإلغاء "قانون قيصر" قبل القمة المرتقبة مع الشرع البيت الأبيض يعلن لقاء الرئيسين الشرع وترامب الإثنين.. وواشنطن تتحرك لرفع العقوبات الرئيس الشرع إلى البرازيل.. فهم عميق للعبة التوازنات والتحالفات      هل يشهد سوق دمشق للأوراق المالية تحولاً جذرياً؟  لحظة تاريخية لإعادة بناء الوطن  وزير الاقتصاد يبحث مع نظيره العماني تعزيز التعاون المستشار الألماني يدعو لإعادة اللاجئين السوريين.. تحول في الخطاب أم مناورة انتخابية؟ صناعة النسيج تواجه الانكماش.. ارتفاع التكاليف والمصري منافس على الأرض القهوة وراء كل خبر.. لماذا يعتمد الصحفيون على الكافيين؟ إعادة التغذية الكهربائية لمحطة باب النيرب بحلب منظمة "يداً بيد" تدعم مستشفى إزرع بمستلزمات طبية إعادة الإعمار والرقابة وجهان لضرورة واحدة