“استراتيجيك كالتشر”: هل عاد الناتو إلى حربه الباردة مع روسيا؟

الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:

مع نهاية الأسبوع الماضي أعلنت روسيا أنها قطعت العلاقات الدبلوماسية مع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، انخرط الاتحاد الروسي مع الكتلة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في محاولة لإقامة شراكة وتأمين السلام فتوصلوا إلى القانون التأسيسي لحلف الناتو وروسيا في عام 1997 والذي رسم حدودًا معينة للتعايش السلمي، وتم انتهاك هذه الحدود لاحقًا حيث ضاعف الناتو أعضاءه على مدى السنوات التالية لـتصل إلى 30 دولة، بما في ذلك دول مجاورة لروسيا.
كما تم إنشاء مجلس الناتو وروسيا في عام 2002 والذي وفر من حيث المبدأ منتدى للحوار بين الوفود التي استضافتها العاصمة البلجيكية بروكسل حيث يوجد مقر الناتو.
لكن الحقيقة هي أن الوعود الأولية بالشراكة قد تضاءلت، منذ عدة سنوات حتى الآن، على الأقل منذ أزمة أوكرانيا عام 2014، واتسمت علاقات الناتو بروسيا أكثر فأكثر بموقف متسلط يتمثل بتوجيه اتهامات لموسكو بشأن سلسلة من التجاوزات المزعومة، حيث توصف هذه الادعاءات بدقة أكبر على أنها افتراءات لأنه لم يتم إثباتها أبدًا، وتُتهم روسيا بشكل روتيني على أنها تشكل تهديداً لأوروبا والتخطيط لتخريب الديمقراطيات الغربية.
عقد وزراء دفاع الناتو هذا الأسبوع قمة زُعم فيها بلهفة أن روسيا أصبحت تشكل تهديدًا أكبر للحلف عبر الأطلسي، وعلى خلفية هذا الادعاء الهستيري، تحرك الناتو الآن لتنفيذ “خطة رئيسية” لـ “الدفاع” عن أوروبا من “هجوم روسي محتمل على جبهات متعددة”، بالمقابل صرحت موسكو مرارًا وتكرارًا أنه ليس لديها نية للعدوان على الولايات المتحدة أو الناتو أو أوروبا أو أي شخص آخر في هذا الشأن.
على الرغم من هذا التأكيد القاطع، استمرت الكتلة الغربية بالحديث عن التوترات مع روسيا، وبالبحث عن الأسباب نلاحظ أن الولايات المتحدة هي التي ألغت العديد من معاهدات الحد من التسلح وأدخلت أنظمة صواريخ جديدة إلى أوروبا، وأن الناتو هو الذي يتعدى على الأراضي الروسية فقد انقلب الواقع رأساً على عقب باتهامات الغرب.
في الواقع، كانت هناك صراعات على جورجيا عام 2008 وما زالت مستمرة في أوكرانيا، لكن في كل حالة، هناك أسباب جوهرية لإلقاء اللوم على حلف الناتو في هذه الصراعات، كيف حدث الانقلاب في كييف عام 2014، من أيده؟ ولماذا صوّت شعب القرم في استفتاء دستوري للانفصال عن أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الروسي الذي يشترك معه في التاريخ والثقافة؟ على أي حال، إذا كانت هناك شراكة وحوار مناسبين بين الناتو وروسيا، فمن الممكن أن يتم التعبير عن هذه المخاوف والخلافات بشكل مناسب ومناقشتها في المنتدى المخصص، لكن الحقيقة هي أنه لم تكن هناك أي محاولة حقيقية للحوار من قبل الناتو.
أصبحت روسيا موضع نقاش وعداء، وأصبحت الشراكة المفترضة التي تم تصورها قبل حوالي ثلاثة عقود مهزلة، وبدلاً من الحوار والنقاش كان هناك ازدراء، وبدلاً من المساواة كان هناك تشويه للسمعة وتشهير مثير دون أدنى إجراءات قانونية واجبة ممنوحة لروسيا (سكريبالس، نافالني، نوفيتشوك، التدخل الانتخابي، الهجمات الإلكترونية، إسقاط طائرة ماليزية، وما إلى ذلك، مثل طائرة قديمة مكسورة)، لم تكن القنوات الدبلوماسية المفترضة سوى غرف صدى لادعاءات الناتو ضد روسيا، بدلاً من استخدامها كوسيلة لحل سوء الفهم من خلال الحوار المتبادل وعرض الأدلة.
وكما أشارت وزارة الخارجية الروسية هذا الأسبوع في شرحها لقطع العلاقات الدبلوماسية، فإن الناتو هو الذي دمر العلاقات بشكل منهجي و”اختار منطق الحرب الباردة”.
وعلق ألكسندر جروشكو، نائب وزير الخارجية الروسي، بأن العلاقات الطبيعية لم تكن ممكنة وسط الخطوات غير الودية التي اتخذها الناتو “الانزلاق إلى مخططات الحرب الباردة”.
القشة التي قصمت ظهر البعير كانت قيام الناتو بطرد دبلوماسيين روس في وقت سابق من هذا الشهر من منتدى الناتو في بروكسل.
واتُهم الموظفون الروس بأنهم “جواسيس غير معلنين” يُزعم أنهم يعملون لصالح المخابرات العسكرية، وكالعادة لم يقدم المتهمون أي دليل، كان هذا هو النهج المتسلط المألوف للأمر الواقع وروسيا “مذنبة حتى تثبت براءتها”.
يدرك الجميع أن العلاقات بين الدول الغربية وروسيا في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة السابقة، وبالتالي قد يُقال لموسكو إنها تتهور في إغلاق قنوات الاتصال في هذا الوقت غير المستقر، لم تستبعد روسيا السعي إلى علاقة أكثر إنتاجية في المستقبل. ومع ذلك قالت إن الأمر متروك لحلف الناتو لاتخاذ الخطوة الأولى نحو تحسين العلاقات. حتى ذلك الحين، من الآن فصاعدًا، يمكن تقديم أي اتصالات من خلال سفير روسيا في بلجيكا.

نحن نرى أن روسيا خطت الخطوة الأولى والصحيحة للتخلي عن القنوات الدبلوماسية مع الناتو وستواصل العلاقات الثنائية مع الدول الفردية كما تفعل بالفعل، على سبيل المثال، مع الولايات المتحدة بشأن القضايا الحيوية المتعلقة بالحد من التسلح والأمن السيبراني.

لقد أثبت الناتو أنه غير قادر على إجراء مفاوضات تقدمية بسبب “التفكير الجماعي” التنظيمي المثقل برهاب روسيا وأيديولوجية الحرب الباردة. من خلال الانخراط مباشرة مع الدول الفردية، قد يكون من الأفضل تعزيز التفاهم المتبادل لأن ضجيج “التفكير الجماعي” وسلبية المجموعة المتنافسة قد تم إزالته.
لسوء الحظ، يجب ملاحظة أن الهدف الأصلي لحلف الناتو عندما تم تشكيله في عام 1947 كان متجذرًا في عداء الحرب الباردة تجاه الاتحاد السوفييتي، هذه العداوة لم تهدأ رغم أن الاتحاد السوفييتي لم يعد موجودًا.
في الأساس، الناتو هو منظمة تبحث عن أعداء من أجل تبرير النزعة العسكرية الضرورية لعمل الرأسمالية الغربية، هناك تناقض محوري بين الناتو وعالم اليوم الناشئ للتعاون متعدد الأقطاب والتنمية السلمي و إن تدميرها المخزي والشيطاني لأفغانستان وحده يحرم تلك المنظمة من أي دور تقدمي في عالم اليوم.
إن روسيا محقة في التخلص من وهم “الشراكة” مع الناتو، إنها من مخلفات الحرب الباردة التي تنتمي إلى متحف حرب وليس في منتدى حديث للدبلوماسية.
Strategic Culture

آخر الأخبار
تقرير مدلس.. سوريا تنفي اعتزامها تسليم مقاتلين "إيغور" إلى الصين محافظ السويداء يؤكد أنه لا صحة للشائعات المثيرة لقلق الأهالي  بدورته التاسعة عشرة.. سوريا تشارك في معرض دبي للطيران أحداث الساحل والسويداء أمام القضاء.. المحاكمات العلنية ترسم ملامح العدالة السورية الجديدة وزمن القمع... الاقتصاد في مواجهة "اختبار حقيقي" سوريا وقطر.. شراكة جديدة في مكافحة الفساد وبناء مؤسسات الدولة الرقابة كمدخل للتنمية.. كيف تستفيد دم... إعادة دراسة تعرفة النقل.. فرصة لتخفيف الأعباء أم مجرد وعود؟ منشآت صناعية "تحت الضغط" بعد ارتفاع التكاليف وفد روسي ضخم في دمشق.. قراءة في التحول الاستراتيجي للعلاقات السورية–الروسية وزير الخارجية الشيباني: سوريا لن تكون مصدر تهديد للصين زيارة الشرع إلى المركزي.. تطوير القطاع المصرفي ركيزة للنمو المؤتمر الدولي للعلاج الفيزيائي "نُحرّك الحياة من جديد" بحمص مناقشة أول رسالة ماجستير بكلية الطب البشري بعد التحرير خطة إصلاحية في "تربية درعا" بمشاركة سوريا.. ورشة إقليمية لتعزيز تقدير المخاطر الزلزالية في الجزائر    السعودية تسلّم سوريا أوّل شحنة من المنحة النفطية تحول دبلوماسي كبير.. كيف غيّرت سوريا موقعها بعد عام من التحرير؟ سوريا تشارك في القاهرة بمناقشات عربية لتطوير آليات مكافحة الجرائم الإلكترونية جمعية أمراض الهضم: نقص التجهيزات يعوق تحسين الخدمة الطبية هيئة التخطيط وصندوق السكان.. نحو منظومة بيانات متكاملة