الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
يواجه الاقتصاد العالمي انتعاشاً بسرعتين متناقضتين، فالعالم الغني يستمر في الصعود أما العالم الفقير فيعاني من الركود وخاصةً دول آسيا النامية، ونتيجة لهذا التناقض سيبدأ العالمان قريباً في تصدير المشاكل بالاتجاهين، ما يخلق تداعيات خطيرة.
لذلك يجب أن تكون معالجة الاقتصاد العالمي على رأس أولويات قادة مجموعة العشرين عندما يجتمعون في إيطاليا في 30 تشرين أول الجاري، لكن المؤشرات المبكرة تشير إلى أن الأمر ليس كذلك، حيث تركز أجندة المجموعة بشكل كبير على مشاكل العالم الغني، ولكن إذا كانت تريد أن تحقق أهدافاً أفضل لخدمة العالم، فهي بحاجة للتوقف عن إعادة تدوير أجندة مجموعة السبع، وسيكون عليها بالدرجة الأولى التعامل مع التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية في آسيا والعالم النامي قبل فوات الأوان.
تكشف أحدث توقعات صندوق النقد الدولي (IMF) عن مدى الانقسام الذي سيكون عليه الانتعاش الاقتصادي بعد COVID-19، ومن المتوقع أن تصل البلدان الغنية إلى مستوى إنتاجها قبل انتشار الوباء بحلول عام 2024، بينما ستظل البلدان الفقيرة متأخرة بنسبة 5.5 في المئة عن مستويات ما قبل الجائحة.
هذه التوقعات ليست مفاجئة لأن أنظمة الرعاية الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي الضعيفة، ومحدودية حيز السياسة المالية والنقدية، تعني أن COVID-19 سيدمر البلدان النامية.
لقد حصل العالم النامي على الحد الأدنى من المساعدة، حيث ذهب معظم الدعم المالي إلى العالم الثري، مثل خطوط مقايضة العملات، كما كان الدعم من المؤسسات متعددة الأطراف ضئيلاً للغاية ويصعب الحصول عليه.
وكان إطلاق اللقاح في العالم النامي ضعيفاً بينما تم تطعيم ما يقرب من 60 في المئة من السكان في الاقتصادات المتقدمة بشكل كامل، وفي البلدان الفقيرة لا يزال أكثر من 95 في المئة من السكان غير محصنين ضد الوباء.
سيبدأ العالم الغني قريباً في تصدير الاضطرابات المالية نحو العالم النامي، حيث بدأ العديد من البنوك المركزية بالفعل في تقليص برامج التيسير الكمي ورفع أسعار الفائدة، وإذا استمرت الضغوط التضخمية في الارتفاع فإن الأمور ستزداد سوءاً.
إن نقاط الضعف المالية في البلدان النامية في آسيا ليست كبيرة اليوم، لكنها لا تزال موجودة، فقد بلغ الدين المقوم بالدولار في إندونيسيا مثلاً حوالي 28 في المئة في عام 2013، ويبلغ اليوم 21 في المئة.
لن تكون الدول الغنية وحدها التي تصدر المشاكل، فكلما طالت مدة بقاء البلدان النامية مع أغلبية غير محصنة، زادت احتمالية ظهور أنواع جديدة من COVID-19.
وبغض النظر عن الخطاب غير الملزم، تركز الإجراءات العملية في أجندة مجموعة العشرين هذا العام على معدلات الضرائب الدولية للشركات، وتجنب الضرائب متعددة الجنسيات، والتحولات الرقمية، وتغير المناخ، والبنية التحتية.
هذه كلها قضايا مهمة بالنسبة للدول النامية في آسيا، وإن إعادة هذه البلدان للوقوف على قدميها من خلال الزيادة الهائلة في معدلات التطعيم، وتعزيز الحيز المالي ودعم النظم الصحية هي الأولويات القصوى. لا يمكن تحقيق أي من القضايا الأخرى على أجندة مجموعة العشرين دون معالجة هذه المشاكل أولاً، ولم تتجاهل مجموعة العشرين هذه القضايا، لكن أفعالها كانت غير كافية وخاصةً أنه لم يتم الالتزام بتوفير اللقاحات اللازمة في هذه البلدان.
تحتاج مجموعة العشرين إلى التركيز على أولويات العالم النامي، وستتولى إندونيسيا رئاسة مجموعة العشرين في عام 2022، تليها الهند والبرازيل، وسيتغير جدول الأعمال بعد ذلك.
لكن هناك حاجة إلى دعم التطعيم الحقيقي الآن، وهذا يعني التزامات طموحة ومحددة الكم وجداول زمنية واضحة مع التركيز ليس فقط على اللقاحات نفسها ولكن أيضاً على الخدمات اللوجستية اللازمة للحصول عليها.
يجب أن تدعم مجموعة العشرين الحيز المالي والإنفاق الصحي للبلدان النامية من خلال دعم استقرارها المالي. ويجب أن يُحسّن الوصول إلى المساعدة المالية من خلال التسهيلات التي تفضل البلدان النامية استخدامها، خطوط مبادلة العملات وخطوط الائتمان من خلال بنوك التنمية، فكلما طالت فترة بقاء الاقتصاد العالمي ذي السرعتين دون رادع، كلما زادت المشكلات التي تنشأ عنه.
المصدر: East Asia Forum