افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
تُظهر ربما المُحاولة الأميركية الأخيرة – الجارية يوم أمس – بقرصنة ناقلة النفط الإيرانية في بحر عمان، ونَجاح القوات البحرية الإيرانية في التّصدي، وباستعادة الناقلة والناقلة المُعادية المُحتجزة لديها – تُظهر – اشتداد الصراع الدائر وتُبيِّن مَقادير العداء الصهيو أميركي لإيران والخط المُقاوم الذي تُمثل جُزءاً أساسياً منه.
وتُظهر حادثة القَرصنة من بعدِ محاولات العدوان المباشر سواء ما تَعلق منها بالهجمات السيبرانية التي تصاعدت منذ 2020 على نَحو كبير، إضافة إلى ما سُمي بحرب السفن، وحروب الطائرات المُسيرة – تُظهر – أنّ الجَبهات أكثر تَعدداً من ملف نووي ومنظومة صاروخية، امتداداتها تتخطى ربما ما يُسمى صراع نفوذ في المنطقة يَسعى الغرب وأميركا لكَبحه وتَحجيمه حسب تعبير واشنطن والمُلتحقين بها في الغرب والمنطقة.
الوقائع تتحدث وليس مُحاولة التحليل والقراءة والاستنتاج بأنه إذا كان الصراع يأخذ شكلاً متطوراً وخطيراً لا تَخفى دوافعه الصهيو أميركية على أحد، فإنّ رسائل القوّة التي تَسلمتها الولايات المتحدة مرة بعد أخرى هي أيضاً لا تَخفى على أحد، فمن نجاح وحدات الحرب الألكترونية الإيرانية بإنزال الطائرة الأميركية آر – كيو – 170 سالمة بعد السيطرة عليها وتَعطيل نظام عملها، مروراً بقصف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق – 8/1/2020 – وصولاً إلى إفشال عملية القرصنة الأخيرة يكون من الواضح أنّ فصول المواجهة والمعركة ستتواصل وسط خَشية صهيو أميركية يُبديها التراجع المُفعم بالخوف من الانزلاق لمواجهة مباشرة في كل الحسابات ستكون نتائجها كارثية على واشنطن ومُلحقاتها.
الصراع مُحتدم، نعم هو كذلك، بل إنّ وقائعه تَحمل جديداً كل يوم، ويَعرف الأميركيون أنه ليس سهلاً، بل صار لديهم مع الصهاينة تَصورات تُضاعف مَخاوفهم، ذلك أنّ الجانبين الأميركي والصهيوني يَتلمسان عوامل القوّة والتفوق الإيرانية التي ربما لم يُكشف إلا عن جزء منها، في الحرب السيبرانية، الألكترونية، الصاروخية، البحرية والبرية فضلاً عن الجوية، والسياسية والدبلوماسية التي تَشهد عليها فيينا وجنيف وأستانا.
إن نَسي العالم فإنّ أميركا لا تَنسى أنّ النفط الإيراني قطعَ آلاف الأميال وصولاً إلى المياه الاقتصادية الفنزويلية، والناقلات الست لم يَمسسها أحدٌ رغم التهديدات التي سَبقت إبحارها، وكذلك تلك التي اتجهت إلى لبنان، ذلك أنّ رسالة طهران التي جَرى تَوجيهها آنذاك رداً على التهديدات، كانت واضحة جداً، من أنه إذا كان الجنود الأميركيون في قاعدة عين الأسد بالعراق قد أصيبوا بالارتجاج، فإنّ ما يَنتظر سواهم سيكون أكثر من ارتجاج، وقد وصلت الرسالة وأُفهمت آنذاك، أو هناك من فَهمها جيداً!.
الساحات المُتعددة للصراع، المَفتوحة مَدياته على المزيد من الوقائع، لن تَبقى إلى ما لا نهاية مَفتوحة، والهزائم التي تُمنى بها التنظيمات التكفيرية الإرهابية، وتحالفات العدوان التي تضم الكثيرين من المُراهنين على واشنطن والصهاينة ستزداد وتتراكم، وإنّ العديد من الملفات ستُغلق اليوم أو غداً على هزائم كُبرى سيكون العالم شاهداً عليها في المنطقة وخارجها، فالخروج الأميركي من غرب آسيا وما يُسمى بالشرق الأوسط ليس شعاراً، بدليل خروجها من أفغانستان، وبدليل التَّغيير القسري لقواعد الاشتباك الحاصل والذي سيَتطور.
غَيَّرت الولايات المتحدة عقيدتها القتالية والاستراتيجية، وضاعفت على نحو غير مسبوق ميزانياتها الحربية، سَعت وتسعى لبناء تحالفات وأحلاف تُطور الناتو وتَخلق شبيهاً له في منطقتنا، استَخدمت البلطجة حتى مع حُلفائها والتابعين لها، ارتَكبت من الحماقات ما يَكفي حتى الآن ليُعطي انطباعاً راسخاً من أنّها في طريقها النازل بتسارع كبير عن أحادية مَقيتة آنَ أَوانها، وقد بَدت وتَبدت واضحة قواعد الاشتباك المُتبدلة خارجياً وداخلياً، يَكفي النَّظر إلى ما يَجري هنا في منطقتنا، وهناك على الجبهة مع الصين وروسيا، والأهم ربما أنّ قواعد الاشتباك الداخلي بين الجمهوريين والديمقراطيين تَغيرت أيضاً، فمنذُ متى كانت تتحدث واشنطن عن ضرورة الانتقال السلمي للسلطة؟ تَذكروا ما حصلَ بالأمس بين ترامب النازل وبايدن الصاعد إلى البيت الأبيض!.