العالم يعيش مخاض مرحلة انتقالية تنتهي مع أفولها أحادية القطب الأميركي، الأمر الذي يفسر الارتفاع الحاصل في منسوب التوتر على صعيد الاشتباك الدولي “سياسياً وعسكرياً واقتصادياً”، حيث تعمد الولايات المتحدة بالاتكاء على حلفائها وشركائها ووكلائها وعملائها لتسخين الأجواء على أكثر من جبهة دولية، لتحسين شروط تموضعها الجديد على خارطة النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي يشهد العالم مراحل ولادته اليوم.
سورية – والتي يتولد من رحم صمودها وانتصاراتها ملامح النظام العالمي الجديد، بشهادة العديد من القادة والسياسيين الدوليين- تستحضر لها إدارة بايدن عناوين جديدة للتصعيد، لاستكمال سياسة العدوان ودعم الإرهاب، هي تريد للمرحلة القادمة أن تكون أكثر سخونة بالنسبة للدولة السورية وشعبها، لمنعها من قطف ثمار انجازاتها العسكرية والسياسية، سواء من خلال مواصلة سياسة الاحتلال والعدوان المباشر، أو من خلال جرائم ميليشياتها الانفصالية “قسد”، وعدم رفعها الغطاء عن إرهابيي “النصرة” في إدلب، أو عبر الاعتداءات الصهيونية المتكررة، إضافة لممارسات الاحتلال التركي ومرتزقته الإرهابيين، وتسعى من وراء كل هذا التصعيد لتثبيت وجودها العسكري الاحتلالي بما يوفر لها إمكانية حماية الكيان الصهيوني من جهة، ومحاولة قطع خطوط التواصل بين دول محور المقاومة من جهة ثانية، ولكن هذه السياسة ثبت فشلها، ولن يكتب لها النجاح بأي مرحلة قادمة.
واضح أن محور المقاومة بات عصياً على المخططات الأميركية والصهيونية والغربية، واللجوء إلى محاولة إقصاء قوى المقاومة عن مشهد الأحداث عبر تفجير الساحات بالفتن الطائفية كما يحصل في لبنان والعراق، هو أسلوب جديد لمحاولة السيطرة سياسياً واقتصادياً على هذا البلد أو ذاك، لتثبيت نفوذ طويل الأمد، بما يحفظ المصالح الاستعمارية الأميركية والغربية في المنطقة، وربما حدة الاشتباك الغربي الحاصل مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحسين شروط التفاوض حول الاتفاق النووي، يعطي الصورة الأوضح للقلق الأميركي والأوروبي من تداعيات معادلات القوة الجديدة التي تفرضها إيران وتعزز من خلالها مكانتها الفاعلة ودورها القوي في المنطقة، وقد أثبتت عملية إحباط القرصنة الأميركية لناقلة نفط إيرانية في بحر عُمان، أن طهران مستعدة للذهاب إلى أبعد حدود المواجهة بهدف انتزاع حقوقها المشروعة، ولا يمكن تجاوزها إلى جانب بقية أطراف المحور المقاوم، في أي ترتيبات دولية لمرحلة تعددية الأقطاب القادمة.
توسيع رقعة المواجهة الغربية مع روسيا والصين، يعطي كذلك مؤشراً قوياً على مساعي واشنطن لتثبيت مراكز نفوذها على الساحة الدولية، ولكن ميل كفة الميزان لمصلحة هاتين القوتين الصاعدتين، يقطع الطريق على كل حسابات واشنطن، فهي لم يعد بمقدورها تمرير مصالحها على حساب أمن واستقرار الشعوب الأخرى، ومن هنا فإن الطريقة المثلى التي تحفظ لأميركا وحلفائها الغربيين مصالحهم ومكانتهم الدولية، هي التماشي مع المتغيرات الحاصلة في موازين القوى العالمية، حيث العودة إلى الالتزام بقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة كأساس لمسار منظومة العلاقات بين الدول، هو ما يوطد الأمن والسلم الدوليين الذي تنشده الدول المحبة للسلام من وراء سعيها لتثبيت دعائم النظام العالمي الجديد.
نبض الحدث بقلم أمين التحرير ناصر منذر