الثورة أون لاين – رنا بدري سلوم:
حين يتضرّع البلبل على طريقته، يسكنُ الوجد فينا فيكون، كذلك فعل “صباح فخري” مؤمناً بدينِ الفنِّ، مرتلاً الحبّ كما القرآن ترتيلاً، بلغة المتصوفِ الديّان علمنا كيف تُعرّش الروح وكيف لا تشيخ، وكيف تتعبّد النفس في المقامات الصوتية والصنعة النغمية لتعود إلى بارئها بنقاء الابتهالات، من ثم نسبّح بمختلف أدياننا وأطيافنا ومشاربنا باسم الله كلما انتهى بأداء تعبيري من جملة مغناة، كل ذلك ليس عبثاً، فالذي يتقن علم التجويد وعلم البيان وأسس مبادئ اللغة العربية قبل أن يبلغ الخامسة عشر من عمره، وجامع “الروضة” يشهد على تجويده، ليس بغريب أن يبني مدرسة فنية تعلم الموشحات بصوت رخيم يرسخ في العقول، تلهف إليه الآذان وتنصت له النفوس فتستكين وتهتدي، علينا أن نعترف أن حنجرة ذهبية وحدتنا على الفنّ والطرب والأصالة وكأننا وجدنا في صوت صباح فخري ضالتنا وما كنا نبحث عنه، بصلاة الحبّ نتجاوز معه حدود الزمان والمكان، ترجّل ” ملك القدود الحلبية”على درب حلب، بعد أن طال المطال في الشام وبعد أن دخل موسوعة غينس لأطول حفلة تتجاوز العشر ساعات يُغنى فيها، ليغدو سفيراً للأصالة السورية في أرجاء المعمورة. بالأمس القريب، حُملَ جثمانه محملاً بصلوات المحبين له، فقد ودّعته الشام وعاهدته أن يبقى صوته مناجاة تصدح في الأرجاء كبلبل أبى أن يستلقي “على غصن الفل”، سيبقى فنّه كجبل راسخٍ كقلعة حلب الشهباء، باقٍ في الوجدان والقلوب، نحيي بذكراه أرواحنا ونعود معه إلى زمن الفن الجميل، وسوف لن نقول كما أشيع أثناء تشييع جثمان الراحل
” الطرب باق وسورية ولاّدة بالطرب والأصالة وما أحوجنا اليوم إلى أن نحمل مسؤوليتنا أمام ما تركه لنا العظماء من إرث تاريخي وفني عريق، أن ننهج نهج المقامات الفنية بتعدد أشكالها، لنسموا ونرتقي في ذواتنا إلى عالم نستحق أن ننعم فيه، فكما السلاح أداة دفاع في ساحة الوغى، كذلك الفن بكل أشكاله أداة للتعبير عن الرأي وإحقاق الحق ووجه من وجوه الحريّة والسلام.