الثورة أون لاين – حسين صقر:
غالباً ما نسمع عن أشخاص، أو نراهم بأم الأعين يمدّون أيديهم على حاجات ليست لهم ويسرقونها، ويكون أولئك إما في متجر أو ربما أمام بسطة، أو حتى ضيوفاً، و ربما نكون قرأنا أو تناهى لأسماعنا خبر صادم عن سرقة شخص مشهور أو ثري أشياء لا قيمة لها ويستطيع شراء الأفضل منها.
ففي أحيان كثيرة لا يكون دافع السرقة هنا الحاجة، إنما يدفعه لذلك عامل نفسي، وأحياناً آخر عضوي، وهو ما يسمى بهوس السرقة أو كليبتومانيا، وهو مرض نفسي شديد الندرة.
“الثورة” التقت أحد المصابين بهذا المرض حيث قال: في لحظة ما وعندما أدخل أي مكان بغض النظر عن موجوداته، أُصاب للحظة ما بالتوتر والقلق وهذا ما يدفعني للسرقة، حيث بعدها أشعر بالمتعة والراحة وأن أمراً ما كان ينقصني وعوضته، بغض النظر إذا كنت أحتاجه أم لا.
وأضاف بعد ذلك مباشرة أشعر بالندم والخوف، ولكن لا أفكر بالعواقب القانونية ولا الاجتماعية، وفي ذات الوقت لا يمنعني ذلك من تكرار التجربة أو ذلك الهوس، موضحاً أن المصاب بالـ”كليبتومانيا” أو مرض السرقة عاجز في الحقيقة عن مقاومة الحافز الداخلي الذي يتولد بداخله، و يدفعه لسرقة الأشياء التافهة التي غالباً لا يحتاج إليها.
وأضاف المريض قرأت عن هذا المرض الذي يسمى جنة الاختلاس أو الدَغر أو جنون السرقة وهوسها، وهو اضطراب نفسي يكون المصاب به مدفوعاً بما يشبه الرغبة في حيازة الأشياء حتى لو كانت تافهة الثمن والقيمة، ولا يكون عاجزاً عن شرائها، وكثيراً ما يلقى بها بعد ذلك أو يعيدها خلسة إلى صاحبها.
وفي هذا الإطار لفت شخص آخر يدعى “ن. ع” أن أحد أصدقائه مصاب بهوس السرقة، وعندما يسأله عن الدوافع، يرد قائلاً: بأنه يعجز عن مقاومة رغباته، كما يعلم أنه بحاجة للعلاج، وفي كل مرة يقرر الذهاب إلى طبيب نفسي ولا يفعل، ولا سيما أن ذلك يسبب له الكثير من الألم العاطفي والإحراج أمام معارفه ومحبيه.
وتذكر السيدة” م.ك” أنها تعرضت للسرقة من شاب كان لديه هوس بسرقة الثياب، يأخذها ثم يرميها في أماكن بعيدة عن منازل أصحابها، موضحة أن تلك الملابس غالباً ماتكون داخلية، وأشارت إذا كان أحداً من حولك مصاباً بهذا الهوس أو أحداً من محيطك، من المهم أن تتذكر أن هذا لا يتعلق بصحتك النفسية والمحيطين بك وحسب، بل يؤثر على الكل معاً، ولهذا لا بد من مساعدته لأنه من المؤكد سوف يورط ذويه في مشكلات أخلاقية وقانونية، وينتهي الأمر في بعض الأحيان بالسجن.
وتذكر كلما بدأت خطوة العلاج باكراً، يتم إنقاذ هذا الشخص باكراً، وقبل أن يتحول هذا الهوس إلى إدمان يصعب مقاومته، لأنه حسبما سمعت وقرأت ترتبط بعض المضاعفات باضطرابات أخرى مثل فقدان السيطرة على الانفعالات، أو تعاطي المخدرات الكحول، أو اضطرابات الأكل، والاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب، والقلق، أو حتى الأفكار الانتحارية.
بدورها قالت الاختصاصية النفسية إمارات قهوجي: يعد هوس السرقة أو الكليبتومانيا أحد أنواع اضطراب السيطرة على الاندفاع، ويتسم بمشاكل انفعالية أو سلوكية في ضبط النفس لأنه اضطراب نفسي في الصحة العقلية والجسدية، كما يعزو الأطباء أسباب هذا الهوس إلى ظروفٍ تتعلق بنشأة المريض، وإن كانت هناك نظريات حول تغيرات في الدماغ هي السبب وراء ذلك، لذلك، قد يرتبط هوس السرقة بمشكلات في مادة كيميائية طبيعية في الدماغ تسمى السيروتونين، وهو ناقل عصبي قادر على تنظيم الحالة المزاجية والعواطف، ولهذا تعد المستويات المنخفضة منه شائعة لدى الأشخاص ذوي السلوكيات الاندفاعية مثل السرقة.
وأضافت هناك أيضاً اضطرابات الإدمان حيث تسبب السرقة في إفراز هرمون الدوبامين (ناقل عصبي آخر)، و الذي يسبب مشاعر ممتعة، ويسعى بعض الناس إلى هذا الشعور مراراً وتكراراً، وهناك أيضاً نظام الدوافع في الدماغ، حيث يتم تنظيم الحوافز من خلال نظام الأفيون وإفراز الدماغ لهرمونات مثل هرمون الإندروفين، وقد يؤدي عدم التوازن في هذا النظام إلى صعوبة مقاومة الدوافع لهذا الفعل.
وختمت قهوجي أن العلاج النفسي أو العلاج المعرفي السلوكي يستهدف كلاً من الأفكار والسلوكيات التي تساهم في السرقة، إذ يساعد العلاج النفسي هؤلاء الأشخاص على فهم دوافع هوس السرقة، ثم مساعدتهم في اتخاذ سلوكيات أخرى تخفف من توترهم وتمنعهم من القيام بالسرقة مع الوقت.
وأشارت إلى العلاج بالأدوية أيضاً إذ أظهرت مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية بالإضافة إلى مضادات الاكتئاب الأخرى، فاعليتها في علاج أعراض هوس السرقة، لكن كلا الأمرين سيكون بحاجة لطبيب متخصص بالصحة العقلية لمساعدة المريض في تحليل وفهم السبب وراء مرض السرقة، وبالتالي اختيار نمط العلاج الأنسب.