الثورة – غصون سليمان:
في رحلة الإبحار عبر قوارب المعرفة، ترسو الطمأنينة على مواقد الإصرار، يعتليها فريق عمل متطوع ومتخصص على مستوى راق من العلوم المطلوبة، غايته تقديم المساعدة عبر التمكين والتأهيل للشباب والنساء على امتداد جغرافية الوطن، ليغدو التخطيط هدفاً يجب إنجازه عبر برامج وتقنيات وحرف متنوعة تؤمن فرص عمل بما يناسب ظروف الحياة.
وما بين أطلال الأزمة وطموحات إعادة الإعمار، تبرز مبادرات تمثل حجر الزاوية في بناء سوريا الجديدة. على رأسها، مبادرة “البورد الألماني للاستشارات والتدريب”، التي تحوَّلت على مدى سنوات من العمل الدؤوب إلى منصة وطنية للتأهيل والتمكين، تركّز على أهم ركيزتين أساسيتين لعبور المستقبل هما الشباب والمرأة.
من هنا تأتي أهمية مبادرة البورد الألماني في التدريب والتأهيل وتقديم المنح لمستحقيها كحالة صحية على مدى ثماني سنوات من الجهد والعمل، وهذا لم يكن أمراً سهلاً بالتأكيد ضمن دائرة التحديات، بل كان في غاية الأهمية لتحقيق الطموحات والأهداف والرسالة العلمية والمجتمعية، كي تصل مبتغاها في بناء المجتمع ليكون آمناً ومطمئناً من خلال عمليه التطور والتقدم بعقول أبنائها.
فعلى صعيد التدريب كجسر نحو سوق العمل، لا تكتفي مبادرة البورد الألماني، التي تعمل عبر فرق تطوعية متخصصة تغطي الجغرافية السورية، بتقديم دورات تقليدية بل فلسفتها، كما يوضح مدير البورد الدكتور رامي هندي، في حديثة لصحيفة الثورة على “دراسة الاحتياج الفعلي”، أولاً، عبر تشبيك وثيق مع مختلف الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، لتحديد الفجوات المهارية بدقة في كل قطاع، ومن ثم تصميم حقائب تدريبية تلبيها، مستهدفةً الأفراد داخل المؤسسات وخارجها، وخاصة من هم خارج سوق العمل.
ترميم الفجوات
الدكتور هندي أكد أهمية المبادرة التي يقوم بها الفريق على امتداد الجغرافية السورية لناحية النهوض بالنظام الإداري، بغية ترميم الفجوات والثغرات ما أمكن في مختلف القطاعات والوزارات والمؤسسات، من جامعات ومستشفيات ومراكز صحية، واعتماد نظام إداري متطور ومتكامل يليق بسوريا. وحول معرفة احتياجات الشباب ذكر أنه منذ البداية كان هدف الفريق معرفة ماهية احتياجات الشباب بالدرجة الأولى، وفق مقومات إدارية سليمة وصحيحة كي نبني وطناً، ونجذب الشباب الواعد ونستثمر قدراتهم عن طريق التدريب والتعليم بتفاصيل مهام العمل والإدارة، لافتاً في هذا الجانب إلى أهمية إتقان فن التعامل ومهارات التواصل، وفن الإتيكيت ولغة الجسد، فالسفير على سبيل المثال لا الحصر يجب أن يتعامل بأسلوب دبلوماسي حسب البروتوكولات الدبلوماسية، وهذه ليست لها علاقة بالأعراف الاجتماعية، لأن العرف الاجتماعي شيء والإتيكيت شيء آخر.
وانطلاقاً من ذلك، فقد انصب جهد الفريق على تدريب الأفراد داخل المؤسسات، ومن هم ليسوا حتى بموظفين في الدولة ولم يكونوا ضمن العاملين، بغية تأهيلهم ومساعدتهم على كيفية إدارة شؤونهم في حال أتيح لهم أعمال وظيفية إذا ما توفرت.
مهارات التواصل
الدكتور هندي أوضح كيف أن مبادرة البورد تركز على تشجيع الشباب من مختلف الأعمار، ذكوراً وإناثاً، بغية إتقان العديد من الحرف كصيانة الجوالات والتلفزيونات، الميك آب، الكوزميك، الشموع، الخياطة ،ما يمكن كلّ حسب اختصاصه أن يدخل سوق العمل بشكل مباشر ،كأن تتمكن سيدة من إعالة أسرتها من منزلها عبر مهارة اكتسبتها، أو أن يخلق الشاب عمله الخاص بعيداً عن الاعتماد الكلي على وظيفة الدولة.
وعلى صعيد المرونة وتيسير الوصول، تخطط المبادرة قريباً لدورات مهنية جديدة، مصممة لتكون في متناول الجميع، خاصة النساء في منازلهن، لضمان أوسع نطاق، لافتاً إلى أن البورد يواجه تحديات جسام، لكن إصرار فريقه المتطوع وإيمانه بدور التأهيل في إعادة بناء النسيج الاجتماعي، وهذا أمر ضروري خاصة في هذه الظروف الحالية والتي أصبح فيها الضيق المادي عنواناً لافتاً نتيجة قلة فرص العمل.
وأضاف: نحن نتوجه لكي نوسع الأفق أمام هؤلاء، وألا تبقى وظيفة الدولة هدفاً بحدّ ذاتها، بل على العكس يجب أن يخلق المرء شيئاً من مهاراته التي تعلمها بحيث يخرج ما بداخله من إمكانات وقدرات.
البورد الألماني الذي يعمل في سوريا منذ العام ٢٠١٧ يترجم أرباحه على شكل منح لمستحقيها، لافتاً أنه في العام 2017 كان لديهم 3000 شخص بدمشق وريفها، وفي ادلب نحو 1500، وفي اللاذقية 1500، وهكذا يتم كلّ عام استهداف قسم من محافظة معينة.
التميز بالجودة والنتيجة
بدورها تؤكد المهندسة زينا نادر، ممثل البورد في دمشق والمدربة الدولية المعتمدة في مجال المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي، أن التميز يكمن في الجودة والنتيجة”، بمعنى تقديم تدريب عالي الجودة يواكب احتياجات السوق، ويحصل الملتزمون على شهادات دولية معتمدة مجاناً، تُضاف بقوة لسيرهم الذاتية “CV “، منوهة بأن فريق العمل في دمشق وحدها يضم أكثر من 45 مدرباً محترفاً في جميع التخصصات، مع فرق مماثلة في المحافظات الأخرى.
وقالت نادر: نحن نعمل معاً بشكل تطوعي مجاني لخدمة وطننا، وأن تمكين المرأة والشباب هما قلب الاستراتيجية، إذ يضع البورد تمكين المرأة ودعم الشباب في صلب عمله، وأن تنمية المهارات الشاملة لا تقتصرعلى التقنية فحسب، بل تشمل مهارات التواصل، والإدارة، والتفكير النقدي، والذكاء الاصطناعي، وكيفية دخول سوق العمل بثقة، إضافة إلى دورات مهنية مباشرة المردود مثل صيانة الجوالات والتلفزيونات، التجميل (الميك آب والكوزمتيك)، صناعة الشموع، الخياطة، التي أشار إليها مدير البورد الألماني.
المهندسة نادر، أوضحت أيضاً كيف أن البورد الألماني لا يدرب كيفما كان، وإنما يدرس الاحتياج التدريبي الحقيقي لكلّ وزارة، ولكلّ فرد، وبالتالي نحن لا نقوم بإعطاء دورة ونمضي، وإنما نقدّم على أرض الواقع تدريب بجودة عالية، إضافة لتلبية احتياجات سوق العمل، عبر رفع مهارات المتدربين من الشباب والنساء لتتناسب مع سوق العمل الحالي.
وأشارت المهندسة نادرإلى أهمية مساهمة البورد في تطوير آلية التفكير، وتمكين الجيل ليعيش بطريقة كريمة، ويحدث تغييراً جوهرياً في المجتمع..
وبالتالي ما يميز “البورد الألماني” ليس فقط حجم عمله وانتشاره ومبادرته المجتمعية المجانية، بل منهجيته القائمة على التشخيص الدقيق والشراكة مع مؤسسات الدولة، ليكون رافعة حقيقية لاستثمارأهم ثروات سوريا من عقول وشباب ونساء ينهضون بمجتمع متوازن.