الأدب ما بعد كورونا.. آراءُ كتّاب وإعلاميّين مصريّين

 

الملحق الثقافي:إعداد: نذير جعفر:

تناولنا في أعدادٍ سابقة، آراءُ أدباء وشعراء وباحثين سوريين، حول انعكاسات وباء «كورونا» على الحياة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، مثلما الأدبيّة والفنيّة، ليكون ما سنتناوله في هذا العدد، وحول هذه الانعكاسات، قول بعض كتّاب وشعراءِ وإعلاميّي، جمهوريّة مصر الشقيقة:
إبراهيم سنجاب: صحافي في الأهرام
الأدبُ كالكائنِ الحيّ، يتغيّر باستمرارٍ ليواكب التطوّرات والتصوّرات التي تطرأ على الحياة يومياً، ومع تسارع هذه التطوّرات كطبيعةِ العصر الذي نعيشه، تظهر كلّ يوم كتابات ونظريات وأساليب كتابة جديدة.
ومع ظهور كورونا ذلك الفيروس الغامض، واجتياحه للعالم كلّه دون استثناء، دون تفرقة بين أثرياءٍ وفقراءٍ، وعالم متقدّم وعالم متخلّف، فإن العزلة التي فرضها هذا الفيروس على البشر، سواء في منازلهم أو في المستشفيات ووسائل النقل، سينتج عنها مواقف ستجد لها مكاناً في الأدب بكلّ أجناسه، وسيكون لمشاهدِ الدفن دون مشيّعين، وتطبيقات التباعد الاجتماعي حتى في داخل البيت الواحد، صدى في التعبير الأدبيّ، وربما نسمع عن أدبِ العزلة أو التباعد.
لقد لقّن هذا الفيروس البشريّة دروساً، ولا بدّ أن مردوداً تعبيريّاً سينتج عن سنواتِ الإصابة به.
د. أحمد الخميسي: قاص وكاتب صحفي مصري
لا شكّ أن جائحة كورونا، ستتركُ كغيرها من الأوبئة السابقة والحروب والمجاعات، أثرها في الأدب لكن ليس بسرعة، لأن اختمار تلك الجائحة في الشعور والفكر يحتاج إلى وقتٍ.. من ناحيةٍ أخرى فإنه من الصعوبة بمكان، أو من المستحيل، أن تؤدّي الجائحة إلى تغييرٍ في الأجناس الأدبيّة، سيبقى شكل القصة القصيرة كما هو، والرواية، والأشكال الأخرى، لأن الشكل الفنيّ له ثباتٌ نسبيّ طويل، ولا يتبدّل بسهولة تحت ضغوط أحداث طارئة.. لكن من المؤكّد أن الجائحة ستطرح على الأدب أسئلة وقضايا مهمّة، مثل طبيعة الوجود الهشة، فكرة حصار الطبيعة للإنسان ودفعه إلى الاختباء في داخل جحره، فكرة المصير الإنساني الموحّد حين يكون الإنسان ملزماً بأن ينقذ خصومه لكي يضمن حياته، لأنك إن لم تنقذ خصمك فسوف ينقل إليك العدوى والموت.. أعتقد أن أفكاراً كهذه تتسلّل إلى نفوسِ وعقول الأدباء ببطء، وإن لم تكن قد تجلّت بعد في عملٍ أدبيّ مهم.
مرة أخرى: أشكال الأدب تتغير بصعوبة، لكن كورونا ستطرح نفسها على جدول اهتماماته ومشاغله..
محمد أحمد الدسوقي: شاعر
الذي أعرفه، أن مهمّة الأدب التأثّر لا التأثير، ولهذا فأيّ شيءٍ يقع في حياتنا، يؤثّر على الأدب فوراً، فالأدب مثل الجهاز الحساس للزلازل، يقيس كلّ شيء ويعبّر عنه، بل إن أيّ جائحة تحدث في عالمنا هي التي أنتجت الأعمال العظيمة، فلا أحد ينسى قصيدة نازك الملائكة «الكوليرا».. القصيدة التي غيّرت تاريخ الشعر العربي كلّه، وأيضاً الرواية العظيمة «الحب في زمن الكوليرا» لغارسيا ماركيز، التي يقول عنها كاتبها: «إنها رواية حب «.
محمد الحمامصي: شاعر وصحافي
أبرز تداعيات جائحة كورونا ذهب إلى صناعة النشر، سواء كانت كتباً أو صحفاً، حيث تقلّصت حركة النشر، وتمّ وقف تمويل الصحف والمجلات، وضمرت معارض الكتب، وتراجعت الفعاليات الثقافية، وقد ألقى ذلك بظلاله على المبدعين الذين تضاعفت عزلتهم، ولم يعودوا يطلّون إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بآرائهم وأفكارهم ونتاجاتهم، التي جاءت في مجملها، تعبيراً عن أزماتهم الداخلية أو الخارجية، وغير رصينة على مستوى المعالجة، وقد أثّر ذلك تأثيراً بالغ السلبية في الإبداع الأدبي، شعراً وقصة قصيرة ورواية ونقداً.. فهذه الفضفضات ـ على وسائل التواصل ـ العجِلة والمتوتّرة والمأزومة أحياناً، تستنفد -برأيي – طاقاتهم وتسحق أفكارهم، ولا تسمح بتطوّرها إلى نتاجٍ فكريّ أو إبداعيّ حقيقيّ.
إذاً، على المستوى الثقافي والإبداعي، لم نجد تفاعلاً قويّاً مع الجائحة، وسواء رصداً أو تحليلاً أو بحثاً وقراءةً في آثارها الثقافية والاجتماعية والإنسانية، لذا فإن أغلب الأعمال الشعريّة والروائيّة، جاءت في سياق تجاربِ كتّابها البعيدة عن الجائحة، وفي الوقت الذي صعدت فيه شركات صناعة الترفيه من فيديوهات ومسلسلات وأفلام وألعاب إلكترونية، تراجعت سوق الكتب ليس الورقية فقط بل الإلكترونية، ولو أننا قارنّا حجم الأفلام والمسلسلات التي تمّ تنزيلها وحفظها للمشاهدة، أو تلك التي تمتّ مشاهدتها على الشبكة، وبين حجم الكتب التي تمّ تنزيلها وحفظها وقراءتها، سنجد المقارنة مخيّبة للآمال عربياً تحديداً.
للأسف لم يأخذ المبدعون ـ حتى المثقفين كتّاباً أو مفكّرين ـ أمر الجائحة بجديّةٍ لقراءةِ أو رصد ظواهرها، وكانوا مجرّد متلقّين للأخبار والنقاشات الطبية، مثلهم مثل الأغلبية الساحقة من المواطنين، وهذا ليس جديداً ففي التاريخ الحديث كانت هذه الجائحات تضرب هنا وهناك في المنطقة العربية، ولم نجد رواية أو قصة اشتغلت على جائحة، تذكر الكوليرا والطاعون والسل وغيرها من الأوبئة التي اجتاحت الكثير من بلداننا، فهل وجدت أثراً مثلاً كَروايات «العمى» لساراماغو و»الطاعون» لألبير كامو؟!! لا أظن، حتى الدراسات في هذا الشأن قليلة جداً.
مختار عيسى: كاتب وصحافي
من البديهي أن يكون لحدثٍ كونيّ، كالذي اجتاح الحياة بكلّ مفرداتها ومستوياتها، تأثيره البالغ في حياة الكائنات الحيّة، وفي القلب منها أو في صدارتها الإنسان، سواء الذي يتلقّاها بالكلية أو من يتعامل معها كمفرداتٍ وشظايا أحياناً، وسواء أكان من الذين يتناولون المواقف الإنسانية العامة باهتمامٍ ومتابعة، أو الذي يكتفي بالتعامل مع محيطه الاجتماعي المحدود.
بديهي أيضاً، أن يتأثّر الأدب، الذي هو أحد أشكال التفاعل الخلّاق مع الكونين، العام والخاص، بما يتعرّض له الكونان من تدابيرٍ سياسية واجتماعية واقتصادية، ومن ثمّ فجائحةٍ عظمى مثل كوفيد 19، لم تكن لتعبر سماوات التفاعل الحتمي بين الكتّاب بمختلف توجّهاتهم، دون أن تحفر لها مجاري عميقة في الأجناس الأدبية المتباينة، وفي الأدباء أنفسهم باختلاف درجاتهم على الدرج الثقافي، وحظوظهم من المسؤولية الوطنية والإنسانية عامة، كون غاية الأدب فيما أرى ـ ويرى كثيرون ـ تحقيق إنسانية الإنسان، وتهيئة سبل تفاعل أرقى، ومكافحة الظلم بأشكاله وصانعيه.
وكون هذا الفيروس، وكما رُوِّج في بعض التقارير- وهو أمر محتمل ـ يدخل في نطاقاتِ الحروب، سواء شنّتها الطبيعة بجبروتها وقسوتها، أو دبّرها وأدارها موتورون لا يعيشون إلا على صناعة الكوارث والتصدّي لعلاج آثارها في آن، على نحو ما أشرت كثيراً إلى تجّار الأسلحة الذين يتصدرون الحديث عن السلام، وكيف أن صانع الفاكسين هو منتج الفيروس، فإني أميل إلى أن كُثرٌ من الأدباء، لابد أن تتأثّر كتاباتهم بهذه الرؤية، فتنعكس على إنتاجاتهم تعبيراً عن هذه المناخات التي تخلقها قوى الشرّ والاستكبار في العالم، سواء في حروبها البينية أو في اتخاذها الفقراء طعاماً لوحشِ التجارب، ولا يهمّ أن يفنى ملايين البشر، فما أظن أن صانع النووية كان يعنيه عدد الضحايا الذين سيسقطون، بل ربما يبهجه تزايدهم.
أعني أن هناك رؤى أدبية، ستتناول الجائحة من هذه الزاوية المنفرجة، الأمر الذي يمكن أن يعيد للكتاباتِ حرصاً على الأبعاد الإنسانية العامة، بعيداً عن الالتفاف على الذات، بحثاً عن خلاصات فردية لأزمات، وحلول لأزمات شخصية.
هذا من ناحية تغليب التوجّه الإنساني العام، كما حدث بعد الحربين العالميتين، ومن ناحية أخرى فرضت العزلة قانونها على الكتّاب الذين يُعدّ التواصل بينهم أحد أهم جسور التفاعل، فانكفأ كلّ منهم على ذاته متحسّباً لمصيره، وخاصة لدى فقدِ آخرين عديدين، وربما أعادته العزلة وحَرَّضه الفقد المتعدّد، على إعادة النظر في علاقاته بالدين والمقرّبين، وطغت ثقافة التسامح والدعوة للتعاضد في مواجهة الوحش.
من راقب الحدث وتداعياته على المستويات المتعدّدة، تبيّن أن العلم وهو غاية كبرى فيما هو ـ عند من مالوا إلى فكرة صناعة الفيروس خدمة لأهداف الدول العظمى ـ هو أيضاً أحد المرذولات التي تقود الإنسان إلى صناعة القتل الجماعي، ومن ثم فإن أدب الخيال العلمي على سبيل التمثيل، ربما يكون أكثر الآداب قرباً من تناول الحدث، سعياً لتخليص العلم من شروره، وصناعة لجيلٍ من العلماء يخدمون البشرية وإنتاجها ورفاهيتها، بدلاً من العمل على إنتاج القتل والتدمير وسحق الإنسان بالمخترعات الإجرامية.
وهناك من نظروا – وأنا منهم – إلى فكرةِ العدل الاجتماعي التي أكدت الكارثة غيابها، حيث توفرت وسائل النجاة بالعزل في مشافٍ خاصة، ذات خمسة نجوم وأدوية وأجهزة لم تتوفر لآلافٍ، إلا أن افتراس الفيروس لعددٍ من كبار المسؤولين في دولٍ عدّة، واجتياحه لدولٍ غنيّة مالت ببعضهم إلى مدح عدالة الكارثة، حيث أصبح الجميع أغنياء وفقراء، أمام الموت سواء، وهي حقيقة كونية ربما أكّدتها شراسة الظاهر الكوفيدية، ولا بُدَّ للأدب أن يتناول هذا الملمح الكوني، مُعلياً من شأن التعاون الإنساني، رافضاً فكرة الاحتكار والاستئثار الرأسمالية المقيتة.
وطبيعي أن تنعكس الجائحة على كل مُتَاحات التواصل والفعاليات التي تستوجب الاحتكاك المباشر بين المبدع والمتلقي في اللقاءات والندوات العامة والمعارض، فضلاً عن غياب عدد كبير من الكتاب الذين اختطفهم الفيروس، الأمر الذي قد يطبع، وربما ليس بصورة آنية، كتابات كثيرة بالسوداوية والعدمية، ولعل ما يثار عن انحسار الموجات المتتالية من الجائحةـ ما يرفع ولو إلى حين – مستوى التواصل، وهو ضرورة للكاتب والمتلقّي في آنٍ معاً.

التاريخ: الثلاثاء16-11-2021

رقم العدد :1072

 

آخر الأخبار
عبد الكافي كيال : صعوبات تعرقل إخماد حرائق جبل التركمان... واستنفار شامل دمشق تؤكد التزامها بإنهاء ملف الأسلحة الكيميائية.. حضور سوري لافت في لاهاي دمشق تنفي ما تداولته وسائل إعلام حول "تهديدات دبلوماسية" بحق لبنان من جديد .. محافظة دمشق تفعل لجان السكن البديل.. خطوات جديدة لتطبيق المرسوم 66 وتعويض أصحاب الحقوق رئيس مجلس مدينة كسب للثورة : البلدة  آمنة والمعبر لم يغلق إلا ساعة واحدة . إخماد حريقين في مشتى الحلو التهما  خمسة دونمات ونص من الأراضي الزراعية وزير الطوارئ :  نكسب الأرض تدريجياً في معركة إخماد الحرائق.. والغابات لم تُحسم بعد وفد من اتحاد الغرف التجارية وبورصات السلع التركي يلتقي الرئيس "الشرع" في دمشق الخضراء التي فتحت ذراعيها للسوريين.. إدلب خيار المهجرين الأول للعودة الآمنة باراك: لا تقدم في مفاوضات الحكومة السورية مع "قسد" و واشنطن تدعم دمجها سلمياً من  ألم النزوح إلى مسار التفوق العلمي..  عبد الرحمن عثمان خطّ اسمه في جامعات طب ألمانيا علما سوريا جيليك: نزع السلاح لا يقتصر على العراق.. يجب إنهاء وجود قسد  في سوريا رفع كفاءة الكوادر وتطوير الأداء الدعوي بالقنيطرة بين الصياغة والصرافة .. ازدواجية عمل محظورة وتلويح بالعقوبات نزهة الروح في ظلال الذاكرة.. السيران الدمشقي بنكهة الشاي على الحطب "تربية طرطوس": كامل الجاهزية لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية الغابات تحترق... والشعب يتّحد.. التفاف شعبي واسع لمواجهة حرائق الساحل وزير الطوارئ ومحافظ اللاذقية يستقبلان فرق مؤازرة من الحسكة والرقة ودير الزور سوريا تسعى لاستثمار اللحظة الراهنة وبناء شراكات استراتيجية تعكس تطلعات الشعب الاكتتاب على ١٢١ مقسماً جديداً في حسياء الصناعية