الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
هل خطرَ لأحدٍ ما، أن يتأمّل وهو في طريقه إلى عمله، وجوه النّاس التي يصادفها، والتي فقدَ أغلبها يقظته، ولو على صباحٍ واحدٍ للخير.. أن يتأمّل تفاصيلها وتعابيرها.. آلامها وانكسارها، فجائعها وخسائرها.. وسوى ذلك مما يجعله يتوقّف أكثر من مرّة، وهو يقرأها ويسأل: «كم يلزمُ هذه الوجوه من أفراحٍ، لتتمكّن من طردِ التجهّم والهمّ عنها؟!.. كم يلزمها من حياةٍ لا تضيق أو تُعيق، ما يزيل الندوب، بل الشحوب الذي يلوّنها؟!.
حتماً خطر لأحد ذلك، بل خطر للكثيرين، ممن لابدّ أن يتأمّلوا هذه الوجوه اليائسة والحزينة، وهُم جداً مشفقون.. هم ذاتهم، ويتأمّل غيرهم حزنهم، مثلما يشفق على معاناتهم.. وجوههم صورةٌ نسخ الاحتضار، عن الوجوهِ التي باتت جميعها متشابهة وتائهة، وآيلة إلى أفولٍ مدلهمٍّ، اختلط فيه الليلِ بالنهار…
ضيقٌ يحيا فيهم، يحاولون التوسّع، فينغلقُ المدى عليهم.. يلوذون في أناهم، فتنكرهم وتهدرُ معناهم..
العزلة باتت تلفّهم، يواجهونها فتهزمهم.. تُحيلهم إلى شظايا حياة، انكسرت وما عادت تَصلح، إلا للوثبِ عرجاً، ما بين معاناة ومعاناة…
يلملمون بقايا أنفسهم، فيتبعثر جزءٌ كبيرٌ منهم.. لقد باتت إنسانيّتهم جريحة، وتنزف معانيها الكسيحة.. فقدَ العقل وعيه، فغابت ذاكرة صحوه.. تهاوى بكلّ اتّزانه، فتحطّمت إلا أوثانه..
جنونٌ يتعقّب خُطاهم، قد يسبقهم أو يغلبهم.. تراهم حيارى في استجوابه، فقد شرّع لهم أبوابه.. لا ينطق إلا خبلاً، وإن صمتَ ضجّ ألماً.
هذه حالنا ووجوهنا، غائبة عنّا ومتعبة… هي ليست وجوهنا، بل خارطة التيهِ التي فقدت وجهتها، بعد أن أغمض النور في عيوننا..
إنه ما بات عليه كلّ وجهٍ نلتقيه، ويستدعي استحضار «إيليا أبو ماضي» ليقول فيه:
«قالَ السَّـــماءُ كَئيبَةٌ وتَجهَّما/ قُلتُ اِبتسِم يَكفي التجهّمُ فـي السَّــما
قالَ العِدى حَولي عَلَت صَيحاتُهُم/ أأُسَرُّ والأَعداءُ حولِيَ في الحِمى
قلتُ ابتسمْ، لم يطلبوكَ بذمِّهم/ لــو لم تـــكنْ منهم أجلَّ وأعظما!..
قالَ الليالي جـرَّعَتني علقَماً/ قُــلتُ اِبتَسِم وَلَئِن جَـرَعتَ العَـــلقَما»
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء16-11-2021
رقم العدد :1072