ألقاب «افتراضيّة»!

الملحق الثقافي:غسان كامل ونوس

مفهوم ومطلوب أن يجتهد المرء في قوله وعمله، وأن يبذل الوقت والعرق، ويقضي النهارات والليالي والسنين في سبيل تحصيل أو إنجاز، ينال على أساسه شهادة أو درجة.

كما أنّ من المألوف أن يكون طموح الشخص الحصول على إطراءات وألقاب، تعطيه حقّه، بعد السعي في دروب العلم، والبحث في مسارات المعرفة، ومحاولة التحليق بعيداً في آفاق الإبداع..
ومن المعروف؛ في إطار التقدير والتحفيز والاهتمام والاحترام، أن تقوم جهات علميّة عريقة معروفة، ولها حضور مقدّر، وفي حالات محدودة جدّاً، بمنح الألقاب الفخريّة لشخصيّات مميّزة في المجتمع والحياة..
كما يكون التكريم لقاء تاريخ طويل من العمل والإنجاز، في ميدان محدّد، أو موضوع معيّن، أو مجالات متعدّدة.
وكلّ ما سبق إجراءات مستحبّة، وممارسات إنسانيّة، تشيع البهجة والرضا في نفوس من كُرّم؛ لأنّه يحسّ أنّ هناك من يقدّر جهده، وينظر في مسعاه الخيّر المنتج، فيحفّزه على بذل المزيد؛ كما يحفّز الآخرين على القيام بمثل ما قام به، أو يقاربه، أو يبزّه؛ ليحظى بمثل ما كان له..
ولهذا كلّه، فإنّ هذه المبادرات مغبطة لمن أَعطى، ومحفّزة لجهات أخرى للقيام بمثلها.
وتفقد مثل هذه المناسبات الكثير من قيمتها ومعناها، إذا لم تحسن التمييز والاختيار، أو إذا ما تكاثرت إلى درجة تصبح فيها عملاً روتينيّاً مشاعاً لأيّ كان، بلا ملمح أو مؤشّر ملفت؛ لأنّها بلا مسوّغ أو داع أو منطق.. أو أنّ ما تمنح من أجله، عاديّ يقوم به كثيرون او يمكن أن يقوموا به؛ فهو ليس مميّزاً أو خارجاً عن المعروف والمألوف؛ كما أنّ المانح ليس بالعراقة والتخصّص والسمعة، التي تجعل لعمله هذا بصمة يُفاخَر بها، أو أثراً مهمّاً يعتدّ به، وقد تكون الغاية من فعله- أساساً- أن يحصل على هذه البصمة؛ أي قد يكون القصد اجتذاب الانتباه إلى المانح من خلال الممنوح، او الممنوحين، أو من خلال الضجّة الإعلاميّة، التي تثار حول هذه الواقعة!
ويمكننا ملاحظة الكثرة من هذه الأفعال على أرض الواقع؛ لكنّها أصبحت جائحة ثقافيّة «افتراضيّة»!
فمن غير المستساغ، ما يجري عبر الشبكة العنكبوتيّة، وفي مواقع التواصل الاجتماعيّ، وصفحاتها، في ما يشبه الحمّى، وعلى الملأ، وملء عيون الأشهاد، وأسماع المتابعين، وبلا تردّد أو تبصّر.
وإذا كنّا نتجاوز-نحاول أن نتجاوز- ما ينثر من إعجابات ومدائح، على كلمات وأقوال عاديّة، عبر الشابكة، وإطلاق العنان لصفات الإلهام والإبداع والإدهاش، والروعة، والتألّق… على أصحاب نصوص، لا تستحّق كلّ هذا، ولا حتّى بعضه، أو شيئاً منه؛ وهي مبالغات تعكّر المشهد الثقافيّ؛ حين تعوّم من هم غير جديرين، وتزيّن الحيّز لمن لا يرقى إلى ما يقال…
فإنّ ما نراه يتواتر، ويستشري، بتسارع غريب، أشبه بتسابق لا ينتهي، من إغداق شهادات، ومنح ألقاب، بتواقيع وأختام وألوان مغرية، وتزيينات شهيّة، تقوم بها جهات عديدة، بمسمّيات متعدّدة، محلّيّة وإقليميّة ودوليّة، بأشكال وتعابير وصياغات متنوّعة.
وإذا كان من غير المستغرب قبول بعض الناس الإطراء، والسعادة به، فإنّ من الغريب أن يقبل المرء ببساطةٍ، مبالغةً في ذلك، ولقباً فائضاً عن إمكانيّاته!
والأغرب أنّهم يصدّقون ما يُعطَون، ويتلبّسونه، ويتمثّلونه، فيتمّ إشهاره، وتجري مشاركته؛ مع الشكر والعرفان للمانحين «المرموقين»، ويُرشّ المزيد من المباركات والتبجيل للمانح والممنوح؛ وتعلّق الأعطيات في مواقع أرضيّة منظورة؛ كما يوضع اللقب مرافقاً للاسم في الكتابات، ويطالبون به في النشاطات؛ بل الأنكى من كلّ ذلك، أنّهم يطلبون منك أن تصدّقه، وتمتثل إليه، وتعامله على أساسه؛ خطاباً أو سلوكاً أو اعتباراً واهتماماً.
وإذا كنّا في هذا المقام، وبهذا الكلام، لا نريد أن نقلّل من أهمّيّة مساحة الحرّيّة «الافتراضيّة»، التي جعلت كثيرين يظهرون ما لديهم؛ بعيداً عن هيمنة أصحاب المنابر الثقافيّة الأرضيّة، وتجاوز لوسائل المراقبة والتقييد والمنع، التي قد يتعرّض لها الكاتب هنا أو هناك، ولا من إيجابيّة التعبير المشروع والكتابة المنفوثة، ولا الحدّ من الاستماع إلى الآراء المتحرّرة من كلّ قيد؛ ولا سيّما قيود المكان والزمان والإدارة، التي قد لا ترقى إلى السويّة الثقافيّة والإنسانيّة المطلوبة.
لكنّها إشارة أجدها مهمّة، ودعوة أعدّها ضروريّة، للنظر إلى ما يجري بجدّيّة ومسؤوليّة؛ سواء ممّن يعطي أو يُعطى، وأن يكون لذلك ضوابط ومعايير من جهات مسؤولة مقدّرة ومحترمة؛ أو على الأقلّ ليعذرونا إن لن ننسَق وراءهم، أو نجاريهم، أو نقتنع معهم، فيما يرون، ويمارسون، ويصنعون!
إنّنا لا نتطفّل، بقولنا هذا، على ما لا يعنينا، ولا نتدخّل بما ليس لنا به علاقة؛ بل إنّنا معنيّون بأيّة ظواهر غير طبيعيّة، تنعكس سلباً على الوسط الثقافيّ، الذي يُفترض أن يكون قدوة لجميع الأوساط الأخرى، وأرى أنّ ما يجري فيه، يشكّل مؤشّراً للحياة بمختلف فصولها وميادينها؛ وأنّ هذا يفرض بالضرورة إشارات وتدخّلات أخرى؛ للحدّ من ذلك، وهي حالة
تشبه الحقّ العام، الذي لا يفلت المرتكب من أحكامه، حتّى لو تنازل صاحب الحقّ شخصيّاً عن حقّه!

التاريخ: الثلاثاء30-11-2021

رقم العدد :1074

آخر الأخبار
رقابة غائبة وتجار متحكمون.. من يدير الأسواق والأسعار؟ الخريجون الأوائل من الجامعات  للتعيين المباشر في المدارس   تأهيل ثلاث مدارس في ريف دير الزور  التنمية الإدارية تنشر قوائم تضم 40,846 مفصولاً تمهيداً لإعادتهم إلى العمل  تحالف للاقتصاد السوري السعودي.. د. إبراهيم قوشجي لـ"الثورة": لا يخلو من التحديات ويفتح أسواقاً جديد... "أوتشا": خطة إسرائيل لاحتلال غزة تنذر بكارثة إنسانية   الصناعة والتجارة الأردنية: 200إلى 250 شاحنة تدخل سوريا يومياً تعرفة الكهرباء الموجودة..  بين ضغوط "التكاليف والإمكانات"   الاتفاقية السورية- السعودية خطوة استراتيجية لإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني  "إدارة الموارد المائية في ظروف الجفاف بمحافظة اللاذقية" تحديث منظومة الضخ من نبع السن وتنفيذ محطات ... مرسوم  بتعيين إبراهيم عبد الملك علبي مندوباً دائماً لسوريا في الأمم المتحدة  نيويورك تايمز: جرائم نظام الأسد تغيّب مئات الأطفال في متاهة السجون ودور الأيتام الحالة الوطنية الجامعة وتعزيز مبدأ الانتماء والهوية أرقام مبشرة في حصاد ما أنجزته "الزراعة" منذ بداية 2025 تكريم الطالبة مها الدوس بدرعا لتفوقها في شهادة التعليم الأساسي "أوقاف درعا الشعبية" تدعم المستشفيات وجرحى أحداث السويداء تطوير منظومة النقل في حلب وتنظيم قطاع المركبات الزراعة بريف حلب بين التحديات والفرص ارتفاع كبير ومفاجئ للأسعار في أسواق طرطوس.. والرقابة غائبة! "شفاء 2".. يداً بيد لتخفيف معاناة المرضى .. 100 طبيب سوري مغترب لتقديم الرعاية الطبية والجراحية المج...