الثورة – حمص – رفاه الدروبي:
“ليلة لم تحدث” مسرحيَّة قدَّمتها فرقة فرع نقابة الفنانين في اللاذقية لمدة ساعة إخراج هاشم غزال وتأليف عبد النبي الزيدي ضمن مهرجان حمص المسرحي السادس والعشرين بالتعاون بين مديرية الثقافة والمسرح القومي تابعها جمهور حمص على مسرح قصر الثقافة.
تمحورت مجرياتها عبر حوار رشيق شيّق سلس دون ملل ودارت القصة بين عروسين في ليلة زفافهما ودخولهما إلى بيت الزوجيّة بينما أكياس الرمل وصناديق ذخيرة وخوذة ملقاة وحذاء عسكري بجانبهما على الخشبة وحرب ضروس دارت رحاها في الخارج. تجلّت من خلال إضاءة استطاع المخرج توظيفها بشكل صحيح فتارة بلونها الأبيض الساطع وتميل إلى اللون الوردي أثناء القذائف وحالة الزوجين معاً في أخرى ومؤثرات صوتيّة معبّرة عن انفجارات وأزيز الرصاص يعلو ويخمد شيئاً فشيئاً.
وأثناء جلسة الحوار عبّرت آراء الحضور عن جمال العرض وانسجامهم مع الأداء حيث اتبع المخرج خطة ذكيّة ظهرت في الديكور والحوار فكان عرضاً ممتعاً من ممثل وممثلة غطّا مساحة الخشبة مستخدماً إضاءة مناسبة بأداء منضبط لافتين إلى روعة العمل بسبب دخول الكاتب لأعماق النفس ومأساتها. أدّاها فريق الخشبة بإتقان فكان العمل مميزاً مؤثراً لأنَّهما امتلاكا أدوات التعبير بصدق وقوة منوهين أنّ الكاتب اتّبع طريقة المدرسة الرمزية ووظّفها بشكل جميل كي يعكس حالة سوريَّة إذ ظهرت بإسقاطات ناقشتها بمصداقية وعبّرت عن حالها ومصير الأجيال القادمة.
أما المخرج تمام العواني فتناول حديثه عن ضرورة التركيز على اللغة الفصحى في الأعمال المسرحية إلا في حال تطلّب العرض طرق بابها طارحاً سؤالاً عن أسباب طغيان اللهجة العاميَّة حتى أصبحت موضة تشمل كافة العروض السوريّة وبات أغلب المخرجين يتخذون حججاً لهم بسهولة وصولها إلى الناس كونها تحمل نوعاً من الحميمية مع الجمهور رغم أنَّ أغلب أعمال المسرح القومي قُدّمت بالفصحى وشارك فيها أهمُّ الممثلين.
بينما الفنان التشكيلي والنحّات إياد بلال تحدّث عن انسجام الممثلين مع الديكور مستخدمين أدوات وإضاءة صحيحة وتمكَّن المخرج من ملء فراغ الخشبة بالحدث وحركة الممثّلَيْن باعتبارهما كتلتين استفادا من البعد الفراغي بينهما وديكور متواضع وفضاء مسرحي.
كما أردف المخرج حسن عكلا قائلاً: يحمل العرض في مجريات أحداثه احترافيَّه ومخرج عرف كيف يعمل باعتباره صاحب تجربة طويلة مع أبو الفنون وأراد إيصال رسالة عن وجود معركتين الأولى بدأت منزلية والأخرى عامة خارجاً مبيناً أنَّها استعادة جميلة كانت بسيلان الدماء في الشارع لتكون على العكس في الداخل بالسلام وقطعة القماش البيضاء يلوّح بها معتمداً على تحديد معالم المكان بتشكيلة أكياس الرمل واستخدامها داخل المنزل ما يدلُّ على واقعيته لتحقيق الوظيفة المطلوبة ولم تكن عميقة الدلالة بل إشارة واضحة توحي بأنَّ الدماء تسيل ومعركة طاحنة خارجاً وفي البيت كانت سرديَّة لافتاً أنَّ الفن إمَّا صادق أو قابل للتصديق وتناول العرض مستويين فالصدق كان بأداء رائع وغير صادق تمثّل بالديكور فحقق وحدته العضويَّة وتحاورت العناصر وتجانست وأعطاها رؤية لعرض مسرحيٍّ جميل.
ثم بيَّن الكاتب سلام اليماني أنَّه يطرح نقاط قوة للعمل تتجلى بأداء تمثيلي رائع بلا جدال ولغة حوار عالية وإن كانت عامّيَّة تخلّصت من آفة المحليَّة لغة قبلها حسب رأيه لأنَّها رائجة وسائدة بيضاء وليس بالأمر السهل، طارحاً سؤالاً حول من صعد بالعمل الكاتب أو المخرج بالنموذج اللغوي أم الديكور فيؤكد على حدوث معركة دلالتها تظهر في الحذاء العسكري والخوذة حيث تناغم المكان مع الحدث.
من جهته المخرج هاشم غزال أفاد أنَّه يشارك في مهرجان عريقٍ والحالة فرضت عليه انتقاء حكاية مقتبسة من نص عراقي حوّله للهجة العاميّة السوريّة، مشيراً أنَّ أغلب عروضه كانت تقدم باللغة العربية الفصحى وحاول الخروج عن المألوف واعتبر الجلسة النقدية فاكهة العرض لما لها من الإفادة وتخدم الرؤيا الإخراجية ولديه إيمان بالجمهور حتى يكون فريق العمل على تماس معه.
نقيب الفنانين في حمص أمين روميّة تحدّث بأنَّ أغلب الآراء أحاطت بالعمل وطرحوا بشكل صحيح ودقيق والعرض يتحمَّل كل من له وجهة نظر والمخرج من الفنانين المشهود لهم بالبنان ومن متابعي المهرجان منذ عدَّة سنوات وتمّ دعوته لأكثر من ست مرات للمشاركة بالفعالية ذاتها نظراً لما يقدّمه من عروض مميزة، لافتاً أنّه قدَّم عرضاً جيداً يميل للاحتراف من الممثل والممثلة على صعيد الحركة واللغة والتعبير سواء أكان بحركات الوجهة أو الإيحاء أو أيّ شيء واستطاعوا تسخير أدواتهم بشكل صحيح لخدمة العرض المسرحي، منوّهاً لوجود إسقاطات على حياتنا الاجتماعية تجلَّت في العادات والتقاليد تصل فيها الوقائع لحد الحرب.