الملحق الثقافي:فاتن أحمد دعبول:
قصص ليست من الخيال أو عالم الغيب، بل حكايات حقيقية جرت على ألسنة جرحى الحرب وذوي الشهداء، هي بطولات حقيقية واقعية عشنا تفاصيلها على مدى عشر سنوات أو تزيد، فكان لابد أن تقطر أقلام الأدباء بالوفاء لدم الشهداء والجرحى والمفقودين، واحتفاء بانتصارات الجيش العربي السوري الذي استطاع أن يكون أنموذجاً للبطولة والتضحية والدفاع عن الوطن، فكان كتاب»حكايات أثيرة» يضم بين دفتيه ما فاضت به قلوب جرحى الحرب وذوي الشهداء من قصص الخلود المضمخة بالدم ومشاعر الفخر وزغاريد الأمهات.
والكتاب»حكايات أثيرة» يوثق بطولات وتضحيات الشهداء ورجال الجيش خلال الحرب الإرهابية، وهو مشروع وطني ثقافي أطلقه اتحاد الكتاب العرب وبإشراف الأديب نصر محسن، ومعه كان لقاؤنا:
صور مشرقة
من مهام الكاتب أن يوثق أحداثاً ووقائع تعرض لها وطنه، كيف بدأت فكرة توثيق حكايات أثيرة؟
في هذه الحرب اللئيمة على سورية الوطن أرضاً وشعباً وجيشاً ومؤسسات، تكالبت قوى الشر، وتسارعت للمشاركة في هذا العدوان الصارخ والفاضح والهمجي، عشرات الدول دعمت وموّلت الإرهاب، وشاركت في تصديره إلى سورية، مئات الآلاف من المقاتلين الإرهابيين المدربين على القتال أرسلوا إليها لتدميرها، باعتبارها حاملة لمشروع حضاري نهضوي يرقى بها إلى ما تستحق من مكانة، أكثر من عشر سنوات وسورية تقاوم الإرهاب الوارد إليها من الخارج، والذي وجد بعض ضعاف النفوس من السوريين للمشاركة معه في تدمير هذا البلد، مقاومة تتجسد في جيش أسطوري، علم العالم كله كيف يكون الدفاع عن الوطن، حين استبسل وضحى بالغالي والثمين فداء لوطنه، عشر سنوات والمقاتل السوري يحمل سلاحه ويقتحم بحس وطني عال، لم يتردد ولم ينكفىء، هي الروح الفدائية التي لابد أن تقود إلى الانتصار، فانتصر.
ومع انتصار جيشنا البطل على قوى الشر والإرهاب، كان لابد للمثقف أن يكون له دور، سواء في أثناء الحرب أم بعد أن تنتهي، ومع فرح الانتصار وما رأيناه وقرأناه نحن الكتاب على وجوه الناس من انتشاء وفرح وفخر وزهو، بدأت فكرة التوثيق لبطولات جيشنا في مبنى اتحاد الكتاب العرب، على شكل قصص يغلب فيها الجانب التوثيقي على حساب الجانب الفني، وتم تكليفي من قبل السيد رئيس الاتحاد للإشراف على مشروع توثيق بطولات الجيش العربي السوري، وتم اختيار بعض الزملاء ليكونوا ضمن هيئة الإعداد لإصدار هذا الكتاب الذي نعتبره بداية الطريق، وكانت البداية مع هذه الحكايات الأثيرة.
دموع العزة والكبرياء
كيف تم التواصل مع الجرحى وذوي الشهداء؟
منذ أن تم تكليفنا بشكل رسمي بدأ التواصل مع الزملاء في لجنة الإعداد، وبدأنا العمل كخلية متفرقة جغرافيا، لكننا قريبون بعضنا من بعض، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تم تغطية معظم مناطق الجغرافية السورية إن لم يكن كلها، وتم تكليف كل زميل بتغطية مناطق محافظة ما تغطية ميدانية، إن صح التعبير، حيث تم اختيار الحالات البطولية المميزة والتواصل مع أصحابها، فقمنا بزيارات عدة إلى بيوت الجرحى، وبيوت ذوي الشهداء، التقينا معهم، واستمعنا إليهم، شاركناهم أحزانهم وأفراحهم بالانتصار، وما أجمل أن ترى على وجه أم شهيد أو زوجة شهيد ابتسامة فخر تشق طريقها عبر الدموع، وهكذا كنا نستمع ونسجل، نبكي ونضحك، مشاعر يصعب وصفها بالكلام.
الاكتمال الروحي .. اكتمال حقيقي
هل كانت الحكايات تروى على ألسنتهم دون تدخل الأديب، أم كانت تصاغ بطريقة أدبية؟
حين يستمع الأديب إلى ما حدث مع جريح، أم ما روى أهل الشهيد عما حصل مع ابنهم، لايمكن للأديب حينها أن يبقى حياديا، فهو ينفعل بحسه الإنساني والوطني، حس يترجمه من خلال مسحة أدبية، عاطفية، تترك عناصر تشويقية في الحكاية.
كان سهلاً أن تلتقي بجريح فيحكي لنا التفاصيل كلها، ونكتفي بزيارته لكتابة الحكاية كاملة، أما حكايات الشهداء فكانت الصعوبة أكثر، فأهل الشهيد يحكون ما يعرفونه وما سمعوه عن ابنهم الشهيد، ولتكتمل عناصر التوثيق كانوا يرسلوننا إلى أحد أصدقاء الشهيد ليزودنا بالتفاصيل الدقيقة عن المعارك التي خاضوها معاً، وعن لحظة الاستشهاد والأعمال البطولية التي نفذها الشهيد، ونحن بدورنا نجمع هذه المعلومات ونعود بها لنصوغها على شكل قصة، بعد تشكيلها فنيا بحيث لا تؤثر فنيتها على واقعها بصدق، فهي حكايات لما جرى بالفعل وبالأسماء الصريحة لأبطال القصص وأمكنتها وتواريخها.
ما القصة التي تركت أثرها في نفسك وماتزال في الذاكرة؟
كل الحكايات التي قمت شخصياً بتوثيقها تركت لدي الأثر ذاته، مع الفوارق الطبيعية التي تتشكل أثناء زيارة جريح أو أهل شهيد، فأن تدون ما تحتاجه أمام أبوين يبكيان أكثر مما يحكيان يختلف عنه عندما تكون أمام أبوين يجاهدان دموعهما ويبتسمان على حزن يتوارى خلف عيون لامعة دون دموع، هنا يجتاحك شعور بالفخر والاعتزاز نقله إليك أهل شهيد.
أما مع الجرحى الأبطال فالأمر يختلف أيضاً، فهنا تجتاحك مشاعر غريبة، كنت أنظر إلى نفسي أتأمل جسدي المكتمل، وأنقل نظري إلى جريح فقد يده أو ساقه أو كليهما، أفكر مليا بالاكتمال، أتساءل:
هل أنا مكتمل حقاً، وهل هذا الجريح يختلف عني في شيء، بالتأكيد نحن غير متساويين، أشعر بالنقص، فهذا الجريح البطل الذي يسبقني بكرسيّه المتحرك، ليدلني ويستقبلني في بيته، مكتمل أكثر مني، هو المكتمل وأنا الناقص، أتوصل إلى يقين من أن الاكتمال الروحي هو الاكتمال الحقيقي، وهو الأهم، وقد اكتمل الجرحى الأبطال وبقينا على نقصنا.
حتى لا ننسى
ما التحديات التي واجهتكم في توثيق هذه الحكايات، وهل كانت تشمل المحافظات كافة؟
منذ بداية تكليفنا بهذا العمل، كنت أتوقع أنه سيتم بيسر وسهولة، ووضعنا جدولاً زمنياً لإتمامه، ففي المناطق الآمنة لم نكن نجد صعوبات تذكر، أما في المناطق غير الآمنة، كمناطق شمال حلب المسيطر عليها من قبل الأتراك ومدينة درعا وريفها والمحافظات الشرقية، فكنا نجد صعوبة، إن لم يكن استحالة الوصول إلى الجرحى وذوي الشهداء هناك، وقد قمنا كثيراً بالتواصل عبر الهواتف، دون أن نحظى بالمطلوب، وهذا ما جعل الحكايات عن بطولات تلك المناطق قليلة نسبياً، وقد حاولنا جاهدين ألا نترك منطقة دون توثيق الحالات البطولية فيها، لكننا واجهنا صعوبات كثيرة فاكتفينا بما استطعنا توثيقه عن تلك المناطق، ونأمل في الأجزاء القادمة أن نستطيع تغطية حالات أكثر، بعدما خف التوتر في المناطق المذكورة.
رسالتكم من التوثيق ولمن تتوجهون؟
التوثيق لكي لا ننسى، ولكي نتيح للأجيال القادمة معرفة ما جرى لسورية، وما فعله أبطال جيشها بكل صدق، والنماذج التي في كتابنا حكايات أثيرة تلامس وجدان القارىء، لأنها نبعت من وجدان بطل قاتل وضحى وانتصر، الكتاب يحمل نماذج من الأعمال البطولية ويتوجه إلى القارىء العادي البسيط، يتوجه لأبطال الجيش عرفانا منّا بتضحياتهم، ولأهل الشهداء عربون وفاء ومحبة.
هل من خطة لترجمة العمل إلى لغات أخرى؟
نحن نرحب بأي جهد في هذا الخصوص، ونرغب بترجمته إلى عدة لغات، وقد يضع اتحاد الكتاب العرب خطة لترجمته، فهو يستحق الترجمة، وحق البطولة والأبطال أن ننقل تجاربهم المشرفة إلى العالم أجمع.
تعاون مثمر
ما أهمية التعاون مع المؤسسات الخاصة كمؤسسة أرض الشام؟
إن اتحاد الكتاب العرب مؤسسة عملها الرئيس في الكتابة والأدب والثقافة ونشرها وتسويقها، وهي ترحب بأي تعاون مع أية مؤسسة وطنية لها الأهداف ذاتها، ومؤسسة أرض الشام مؤسسة شبابية تعنى بالشأن الثقافي، وخصوصاً فيما يتعلق ببطولات الجيش، بما في ذلك المساهمة في الطباعة والنشر والتسويق، ومن هذا المنطلق كان التعاون والتنسيق بيننا في الاتحاد وبين مؤسسة أرض الشام، ففي التعاون بين المؤسسات الوطنية قيمة مضافة لأي عمل نبتغيه.
هل من مشاريع توثيقية قادمة، وماذا في الجعبة اليوم؟
حكايات أثيرة هو الجزء الأول من المشروع الوطني لتوثيق بطولات الجيش العربي السوري وصمود الشعب، هذا يعني أن ثمة أجزاء أخرى سترى النور قريباً إن شاء الله، ولن نكتفي بالقصص القصيرة، وإنما قد ننجز كتبا أخرى بأجناس أدبية مختلفة.
التاريخ: الثلاثاء14-12-2021
رقم العدد :1076