الروائي صفوان إبراهيم: أكتب للأجيال القادمة لتقرأ نصرنا

 

الملحق الثقافي:سلام الفاضل:

صفوان إبراهيم هو روائي سوري فازت روايته (وصايا من مشفى المجانين) بجائزة حنا مينه للرواية التي تطلقها كل عام الهيئة العامة السورية للكتاب، كما صدر له عن هيئة الكتاب روايتا (طابقان في عدرا العمالية)، و(ورود من أرض النار)، ورواية أخرى صدرت عن دار شمس في ألمانيا بعنوان (رحلة إلى جحور الأفاعي)، إلى جانب عديد من الروايات الأخرى؛ وعبر هذه الأعمال الإبداعية وسواها استطاع صفوان إبراهيم أن يحقق حضوراً لافتاً في عالم الأدب الروائي، كما استطاع كذلك عبر رواياته التي تناول فيها موضوع الحرب أن يسلط الضوء على صمود الجيش العربي السوري، وتضحياته في الحرب الإرهابية الشرسة التي تعرضت لها سورية في السنوات الماضية، وعرض أيضاً لمجازر الإرهابيين التي ارتُكبوها بحق أبناء الشعب السوري، ولا سيما في مدينة عدرا العمالية، فتمكّن بقلمه من نقل صورة واضحة عن حقيقة ما حدث.. وعن أعماله الروائية التي تصنف تحت خانة ما يسمى بـ (أدب الحرب) كان لنا الحوار التالي معه:
بدأنا حوارنا بسؤال عن (أدب الحرب)، والإرهاصات الأولى لمنشأ هذا الأدب، ومن أين جاء بداية، وكيف تلمّست شعوب العالم الأوائل ملامح بروزه، ليقدم الروائي صفوان إبراهيم لمحة مقتضبة جداً عن هذا الأدب موضحاً: «إن أدب الحرب على خلاف ما يظن كثيرون يُعدّ من أقدم أنواع الأدب، بل ربما يمكننا القول إن تاريخه يعود إلى عصور ما قبل الميلاد، فإذا ما تقصّينا عن ذلك نجد أن أقدم نصوص الأدب العالمي تتعلق بشكل مباشر بنشوب الحروب، ولعل ملحمتيّ «الإلياذة والأوديسا»، للشاعر اليوناني «هوميروس» هما من أبرز تلك النصوص الأدبية التي تناولت الحديث عن المعارك والحروب التي وقعت في تلك الفترة الزمنية، ومن ضمنها «معركة طروادة»». ويتابع إبراهيم متناولاً المرجعية التاريخية لنشأة هذا الصنف من الأدب بقوله: «ثم تطورت نمطية الكتابة بعض الشيء في فترة ما قبل الحداثة، لتحاول خلق بطولات وهمية وأسطورية لبعض الشخوص القيادية التي تشترك جميعها بالافتقار إلى أدنى المقومات الأدبية، والتي من شأنها إبراز «التراجيديا الوطنية»، أو ما يُسمى الآن بـ «روح الحرب»؛ في حين نجد أنفسنا وفي زحمة ما يشهده هذا النوع من الأدب من تطور في اختيار كلماته مضطرين إلى إنشاء نصوص إبداعية منبثقة من صرخات الضحايا، وآلام الموت».
وعن اللحظة التي سبقت خوضه هذا المجال الإبداعي، وكتابته لروايات تتناول موضوع (أدب الحرب)، يجيب إبراهيم: «بالنسبة لي لم يكن في خاطري أبداً الكتابة عن الحروب؛ فأنا من أنصار عدم تكريس الحديث عن شيء نرغب في الابتعاد عنه، ولكنني في لحظة ما ـ هي بكل تأكيد غريبة عني ـ وجدت نفسي أكتب وبشراهة هذا النوع من الأدب.. أما كيف جاءت هذه اللحظة فأنا شخصياً لا أستطيع الإجابة إلا بالقدر الذي يجده القارئ موجوداً في كتاباتي، غير أن ثمة حادثة فجّرت هذه اللحظة لديّ، وهي حادثة استشهاد أخي حيان دفاعاً عن مدينة «الرقة» التي كانت هواه وعشقه، حينها سألت نفسي سؤالاً واحداً ما زلت في كل عمل روائي أجيب عنه بطريقة مختلفة، لماذا قُتل أخي في مدينة تبادل مع أهلها المحبة لفترة طويلة من الزمن؟ أردت دائماً القول إن وراء استشهاده فكراً أسود ضُخ في عقول الكثيرين من أهل هذه المدينة لتحويلهم إلى أدوات قتل عمياء، وإنه ما من سبيل للتخلص من هذا الفكر الأسود إلا بالرد عليه بفكر سوري ناصع البياض دينياً، وأخلاقياً، واجتماعياً، وأدبياً.. لذلك كتبت عشرات الروايات التي تتحدث عن الحرب السورية مضمناً إياها (أسباب الحرب، وتأثيراتها، ونتائجها…) ومن هذه الروايات: (وصايا من مشفى المجانين)، و(طابقان في عدرا العمالية)، و(ورود من أرض النار) الصادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب، ورواية (رحلة إلى جحور الأفاعي) الصادرة عن دار شمس، وسواها».
وعن موضوع روايته (طابقان في عدرا العمالية) التي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط الثقافية، والأساليب الفنية والجمالية التي اتبعها عند صياغة هذه الرواية، تحدث الكاتب صفوان إبراهيم عن ذلك قائلاً: «إنني كتبت هذه الرواية بعد أن تجرعت نصيبي من المآسي التي حدثت في مدينة عدرا العمالية، تلك المدينة الوادعة التي كانت تمثل إلى حدٍ كبيرٍ سورية العظيمة بنسيجها الاجتماعي، وتآلف أهلها المحبين، إذ لم يكن بالأمر الهين أبداً أن يستيقظ أيٌّ منا على أصوات تنعق بالذبح والقتل، وعلى مشاهد يندى لها جبين الإنسانية من قطع الرؤوس وتعليقها، أو حرق الأطفال، أو سبي النساء، كما لو أننا في عصور ما قبل التاريخ. إذاً، لم أكن في حاجة إلى عقلانية في تحليل ما جرى، فالحدث بفظاعته نحَّى العقل جانباً، وسمح فقط للمشاعر بتحليل وتسجيل الوقائع، لذلك جاءت هذه الرواية حالة من حالات ما يُسمى بـ «صدمة الحرب»، وليس حالة إبداعية في الفن الروائي».
وعن موضوع روايته (ورود من أرض النار) الصادرة ضمن سلسلة «مدونة الحرب»، وما يميزها عن سائر روايته، يجيب إبراهيم: «أما روايتي (ورود من أرض النار) فهي رواية (تصويرية) صوّرت عبرها ما شاهدته كضابط طيار، ومشرف عمليات من عظمة إنسانية تحلى بها الإنسان السوري الذي غالب الموت بكل أشكاله (موت الرصاصة، وموت الجوع، وموت البرد، وموت الحنين، …) فغلبه، وهي على الرغم من تسليطها الضوء على بقعة مكانية صغيرة، إلا أنها جاءت قاصرة، إذ إنني لم أستطع عبرها أرشفة كل تضحيات الجنود الذين كنت على تواصل دائم معهم».
ويتابع إبراهيم حديثه عن سائر رواياته التي تندرج تحت ما يسمى بـ (أدب الحرب) موضحاً أسبابه في خوض غمار كتابة هذا النوع من الأدب، والفئات التي أراد أن يخاطبها عبر هذه الروايات، قائلاً: «طبعاً أنا لم أكتب رواياتي للسوريين الموجودين الآن على أرض سورية، فهم بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والوطنية خاضوا تجارب تغنيهم عن كل ما كُتب في فترة الحرب، وإنما كتبت لمن سيأتي لاحقاً من أجيال، إذ لا يجوز أبداً أن يسكننا شعورٌ بأننا منفصلون عن التاريخ، أو عن المستقبل، بل نحن مسؤولون كل المسؤولية عنهما فالتاريخ بحاجة ماسة إلى من يحميه ويحافظ على عراقته، ويحفظ أمجاده، ويتعهد آثاره بالحفظ والصون من كل الموبقات والأخطار، أما المستقبل فنحن مسؤولون عن تحضير قواعد أساسية لبنيانه، وتجهيز المعدات اللازمة لبنائه، وتوطين فكرة تطويره في عقول وأذهان أجياله، ولن نكون أمناء بالقدر المطلوب منا إلا إذا سلمنا راية الوطن لمن بعدنا كما استلمناها ممن قبلنا طاهرة من كل دنس، ناصعة كالشمس أو أنصع.. ولن يكون لنا أي عذر لأن التاريخ لا يغفر للمهملين، والمستقبل لا يحمي المغفلين.. وأياً كانت الأقدار التي أحاطت بنا فجعلتنا نحيا في ظروف صعبة وغير متوقعة، فإنه سيكون من الخطأ الظن بأنّنا الوحيدون الذين تعرضوا للمصاعب في هذا الوطن على مرّ أيام تاريخه الماضية، أو أيام مستقبله القادمة، وهذا بالتحديد ما أردت إيصاله لأجيال المستقبل، إذ إنني أردت أن أقول لهم حينما سيواجهون مصاعب لا حصر لها: قفوا كما وقفنا، وتحدوا كما تحدينا، فأنتم أبناء أناسٍ خاضوا حرباً طويلة، مفتوحة الجبهات، ذاقوا فيها الويلات، ولكنهم لم يستسلموا.. وعليه فإن هذه الروايات جاءت نتيجة شعور ما سكنني بضرورة الكتابة عن الحرب بمصداقية، وبطريقة مقنعة كشرط أساسي لمواكبة (الحياة مع الوقت)، وأقصد بالجملة الأخيرة هذه أننا في سباق زمني مع الحرب ذاتها، أو مع تأثيراتها للحد من رسوخ صورتها الوحشية، والظلامية، والعدائية في أذهان الأجيال التي ستأتي، وتكبر مع مرور الزمن».
وعن رأيه بـ (أدب الحرب) إن كان سرداً وتوصيفاً لوقائع، أم إنه إعادة قراءة لها من وجهة نظر الكاتب، يجيب إبراهيم: «أدب الحرب ليس سرداً توصيفياً للوقائع، وليس إعادة قراءة لها من وجهة نظر الكاتب، التصنيف هنا يتبع للتوقيت الذي يُكتب هذا الأدب فيه، فما يُكتب أثناء فترة الحرب يُعدّ سرداً توصيفياً، أما ما يُكتب بعد نهايتها فيُعدّ إعادة قراءة لها من وجهة نظر الكاتب نفسه، أو الجهة التي ينحاز إليها.. إن ما يميز أدب الحرب عن غيره هو المصداقية، لأن من يكتبه ليست أصابع الكاتب، وذهنيته المتقدة، بل إحساسه المفجوع، وبصيرته التي تنحى به ليقدم كل إمكاناته للوقوف في وجه الحرب، أو للوقوف إلى جانب الحق في أي حرب».
وعن رواياته الأخرى ذات المضامين والموضوعات الاجتماعية، والحياتية المتنوعة، يقول إبراهيم: «في النهاية أريد أن أنفي عن نفسي تهمة أطلقتها كثير من الأقلام الصفراء، ولا سيما أقلام المعارضين الذين يتظاهرون بالدفاع عن قضاياهم غير المحقة عن طريق القلم والفكر، وهم تواقون إلى رائحة الدماء، ونشر الموت، بأني كاتب مختص في أدب الحرب، فهؤلاء لا يريدون قراءتي إلا ضمن هذا النوع من الأدب، ربما لأنني ضابط في الجيش العربي السوري ويهمهم معرفة وجهة نظري في الأحداث الجارية، أو كي يقولوا للقراء بأنني كاتب مأمور بكتابة هذا الأدب، أو أشياء أخرى من هذا القبيل، لكن الحقيقة هي غير ذلك تماماً، ولعل فوزي مؤخراً بجائزة الدكتور محمد الحوراني للرواية تحت مسمى (التكافل الاجتماعي في زمن الكورونا) أكبر دليل على هذا، إلى جانب روايتي (نداء اﻷرواح) التي ينبغي على هؤلاء قراءتها ليتأكدوا بأنفسهم مما أقول».

التاريخ: الثلاثاء14-12-2021

رقم العدد :1076

آخر الأخبار
"سويفت" طفرة استثمارية... لا يُدار بكبسة زر مستشار هندسي يطرح حلولاً عملية كخارطة طريق إلى التنمية المستدامة 25 جراراً من مؤسسة حمد بن خليفة لدعم قطاع الزراعة الدولار يواصل التذبذب في دمشق (سوريا الحلم) ليست بعيدة.. ومرحلة النهوض الشاملة قادمة تخصيب اليورانيوم.. عقدة المفاوضات الأميركية-الإيرانية "أوبزيرفر": لقاء الرئيسين الشرع وترامب ليس مجرد رمزية من الوزن الثقيل The NewArab: بنوك سورية تنتظر تفعيل رموز "سويفت" لتعود إلى السوق العالمية "سويفت" يعيد تموضع الاقتصاد السوري على الخارطة.. اكريم لـ"الثورة": نتائج أولية خلال ٣ أشهر جمعية الصحة العالمية: تعاون دولي لمواجهة قضايا حيوية رمال السيليكا.. كنزاً استراتيجياً صامتاً. تحركات استثمارية للاستفادة من احتياطات ضخمة ذات نقاوة عالي... من قطيعة إلى فرصة.. كيف أضرّ نظام الأسد بالعلاقة الأميركية-السورية؟ الشيباني : خطوات عملية لحل ملف الموقوفين السوريين في لبنان اجتماع تركي-أميركي في واشنطن غدا لبحث تحقيق استقرار سوريا "نكبة فلسطين.. تسرد حكاية" شعب مشرد ينشد وطناً مآثر ومراثي علّامة الأدب القديم الدكتور محمد شفيق البيطار في ذكرى رحيله الياسمينة المنسية .. نازك العابد.. امرأة قاومت بالكلمة والبندقية خزان "تل المصطبة" يؤمن المياه لقاطني جنوب دمشق  م. درويش لـ "الثورة": خط كهرباء معفى من التقنين.... فضاءات للراحة تحولت لكابوس حديقة الطلائع في طرطوس.. من أكلها الإهمال أم الفساد ؟ "المخطط الفينيقي" منافساً في كان