الملحق الثقافي:حامد العبد:
التامن خلال إيمانه بدور الأدب ورسالته الثورية خلال المحن الوطنية الكبرى، وقدرته على توثيق وتجسيد آلام الشعوب وآمالها. حاول الكاتب رياض أحمد أن يقدم لنا بواسطة عمله الإبداعي هذا رواية (حرب القمم.. قمة الموت) صورة نقية وصادقة عن الصمود الأسطوري لمجموعة صغيرة من أفراد جيشنا الباسل والقوات الرديفة له، استطاعت أن تخط بصمودها هذا ملحمة وطنية ستبقى آثارها حاضرة في وجدان وذاكرة الأجيال القادمة.
إذن فنحن منذ البداية أمام رواية توثيقية أو تسجيلية بامتياز.. ابتدأها الكاتب أصلاً بجملة (الوقت الخامسة فجراً..)، حيث الأولوية فيها للأحداث التي توجه بقية الفواعل السردية كلها، وهذا ما يفرض علينا طريقة محددة في التعامل معها، ويضعنا منذ البداية في الالتباس الذي يثيره هذا التجنيس، من خلال العلاقة بين الرواية التي يفترض بها أن تكون عملاً من نتاج الخيال المبدع بالدرجة الأولى، والتسجيلية التي هي أقرب إلى النقل الواقعي المجرد للأحداث، بالإضافة إلى أن أي روائي ومهما كان الموضوع الذي يعالجه، فإنه مطالب أن يقدم من خلال عمله الروائي تجربة جديدة، وأن يقدم شيئاً يدهش القارئ وإلا فإن عمله الروائي لن يكون أكثر من تجربة باهتة ومكررة لغيرها من التجارب الحقيقية الماضية.
وهذا ما جسّد تحدياً حقيقياً أمام الكاتب خصوصاً أن روايته هذه هي بكل بساطة سرد لمجموعة من الأحداث اليومية والواقعية التي عاشتها مجموعة من الجنود في إحدى المواقع القتالية أثناء الحرب التي شهدتها سورية والتي اتصفت بالشمولية على كامل جغرافيتها، أي أنه لم يسلم من ويلاتها أحد إلى درجة أن العديد من السكان المدنيين قبل الجنود عانوا منها وخبروها وسمعوا عن قصصها ربما أكثر من الروائي نفسه.. كما أن القارئ قد يتصور نفسه أنه سيجد أمامه عند قراءة هذا العمل رُكاماً من التفاصيل المكرورة والمملة.
بيد أن الكاتب رياض أحمد استطاع أن يتغلب على هذا التحدي من خلال بعض التقنيات السردية منها:
أولاً: تقديمه عدداً من النصوص الموازية أو ما بات يعرف بالعتبات السردية تقدمت هذه الرواية ورافقتها، بدءاً من العنوان المفعم بالدلالات الجغرافية والدلالات المعنوية التي تشير إلى صعوبة التحدي الذي واجه شخوص الرواية، وبالتالي فقد استطاع هذا العنوان أن يسهم في تعيين محتوى النص بفعل الإيحاء إلى جوهر الرواية وذلك لصلته الرَحِمِية بالمكونات الحكائية التي تشكل بينية النص، كما استطاع هذا العنوان أن يخلق حالة جذب وإغراء للمتلقي بالدخول في تجربة قراءة النص وذلك من خلال إثارة مخيلة واستنفار كفاءته القرائية، بمؤازرة التقديم الذي وضعه العميد ميهوب، والتصدير الذي اختاره الكاتب أن يكون اقتباساً من إحدى كلمات قائد الوطن وفيه تلخيص بجملة واحدة لكل بطولات حامية هذه القمة والجيش السوري بأسره حين قال: «كل واحد فيكم قد غير خارطة العالم السياسية فكل واحد منكم لم يكن يعمل واجبه فقط بل كان يكتب التاريخ».
ثانياً: مقاربته الفنية والجمالية للأحداث التي شكلت المادة الخام المستخدمة في الرواية استناداً على معلومات حقيقية سمع بها الكاتب من أفراد المجموعة أنفسهم أو استناداً على مخيلته المحضة، حيث يمكننا القول إن هذه المادة انقطعت عن وظيفتها التوثيقية والوصفية الجامدة وأصبحت تؤدي وظيفة جمالية ورمزية خصوصاً في النصف الأول من الرواية.
ثالثاً: استخدامه للغة سلسة وغنية بالمفردات الدقيقة التي وظفها الكاتب بذكاء لإبقاء المتلقي في حالة ترقب وتشويق، ومن المعروف أن أدب الحروب له قاموسه اللغوي الذي لا نجده في غيره من الأنواع الأدبية الأخرى.
رابعاً: حرص الكاتب على مصداقيتة أثناء وصفه للأحداث والمعارك ومجرياتها، الأمر الذي يسهم في رفع مستوى اقتناع المتلقي بما يقرأ فيقبل عليه وهو منفتح العقل، وكما هو معروف فإن شرط نجاح أي عمل أدبي يتمثل في ثالوث الإبداع والإقناع والإمتاع.
يقول قائد الحامية في وصفه لبدايات الحرب: «كانت النتائج مؤلمة.. عدم جاهزية قواتنا لخوض مثل هذه المعارك التي قاتلنا فيها بطريقة كلاسيكية بينما المرتزقة تستخدم حرب العصابات والقنّاصات.. واستخدامنا للقوة المفرطة شكلت عبئاً علينا ونقطة ضعف فينا، وباتت ظهورنا هدفاً سهلاً لهم.. باختصار.. زجت القوات في مواجهة لم يحضر لها بشكل مدروس».
خامساً: استخدامه للأسلوب السينمائي وحركة الكاميرا خلال عملية وصفه لتضاريس القمة والمناطق المحيطة بها، وتقلبات الأحوال الجوية فيها، هذه القمة التي فرضت على المقاتلين الذين يدافعون عنها فلسفتها حسب تعبير الكاتب في أحد فصول روايته.
وفي ختام هذه القراءة أعتقد أنه ينبغي علينا أن نبارك لكاتبنا المبدع رياض أحمد منتجه التوثيقي والإبداعي هذا، وأن ندعوه إلى الاستمرار في مسيرته التوثيقية هذه عن بطولات رجال آمنوا في قلوبهم قبل عقولهم، أن سورية بعظمتها وكبريائها هي وطن تميته الدموع وتحييه الدماء.ريخ: الثلاثاء14-12-2021
رقم العدد :1076