الثورة – تحقيق جهاد اصطيف – حسن العجيلي:
لا شك أن الأوضاع المعيشية الصعبة، خاصة لذوي الدخل المحدود ، الذين باتوا يقتصدون بحاجاتهم الغذائية ولا يبتاعون إلا الضروريات منها، ويكتفون بمشتريات خجولة، لعجزهم عن مواجهة هذه الأوضاع التي لم نشهد لها مثيلا من قبل، سببها المباشر بقاء أسعار السلع والمواد الغذائية مرتفعة دون أن تناسب جيوب المواطنين ، ما يعني بالضرورة ابتعاد هذه المواد عن موائدنا رويدا رويدا، وليت الأمر يقتصر على ذلك.
*ورشات نتر الفروج..
ومع ارتفاع أسعار اللحوم وعزوف المواطنين عن شرائها من أسواق ومحلات حلب ، بدأت تنتشر بكثرة هذه الأيام ورشات ما بات يعرف ” بنتر الفروج ” التي تعمل على خلط بقاياه باللحم وبيعها للمستهلكين بأسعار منخفضة ، وكما علمنا أن مثل هذه الورشات تعمل عادة على فرم بقايا الدجاج وفضلاته وطحن العظام والغضاريف وخلطها مع اللحوم وتحويلها إلى كباب وبيعها.
*الاستغناء عن اللحم الأبيض..
أمام ما تقدم وأمام ارتفاع سعر الفروج بشكل ملحوظ في الأسواق والمحلات سواء في حلب أو غيرها ، ووصول سعر كيلو الفروج المذبوح إلى أكثر من ٩٠٠٠ ليرة، الأمر الذي دفع الكثير من العائلات للاستغناء عن اللحوم البيضاء بعد أن نسوا طعم اللحوم الحمراء بسبب غلاء أسعارها وعدم مقدرتهم على شرائها ، إلا لمن اقتدر على ذلك.
*المواطن دائما خسران..
وبحسب رصدنا الأسواق في مدينة حلب، وحسب الكثير ممن التقيناهم، أصبحت حركة البيع والشراء في محال الفروج الحي والمذبوح عادية ، إذ بلغ سعر كيلو صدر الفروج المشفى نحو ١٥٠٠٠ ألف ليرة والفخاذ يتراوح بين ٨٠٠٠ و ١٠٠٠٠ليرة، وأما كيلو السودة فوصل إلى نحو ١٠٠٠٠ آلاف ليرة سورية.. وتحدث “حسون” وهو من سكان حي السكري ، أن أغلب المواطنين سواء في حلب أو غيرها حرموا سابقا من لحم الغنم، بسبب ارتفاع سعره الذي زاد على ٢٢ ألف ليرة سورية، والآن لم تعد لديهم القدرة على شراء الفروج.
*الأسعار تحلق..
” هاني ” موظف – تحدث بحسرة عن تحليق أسعار المواد الغذائية بشكل عام وأسعار الفروج بشكل خاص ، ويقول: ضاقت بي السبل بعد حرمان مائدتي من الكبة الحلبية ” ملكة السفرة ” في حلب لتكلفتها الباهظة بعد ارتفاع سعر لحم الخروف إلى أكثر من ٢٢ ألف ليرة.. وأردف : تكلفة وجبة الكبة لعائلة مكونة من ٦ أو ٧ أفراد مع صحن فتوش قد تكلفني راتبي ، وقال إذا ” الكبة باتت حلم سفرتنا ، فلا زعل على الفروج ” حتى البدائل أصبحت بعيدة المنال وفي ظل غياب صنوف المأكولات عن سفرة المواطنين، خاصة التي تعتمد على اللحوم في طبخها، راحت الكثير من ربات البيوت من ذوي ” الدخل المتدني” عن البدائل لإدخالها في وجباتهم، ومنها ” أم محمد ” التي استغنت عن شراء اللحمة الحمراء واستبدلتها لفترة بالبيضاء، تقول ” أم محمد ” ٤٥ عاماً إنها كانت الوسيلة المتوفرة حتى وقت قريب ولكن الآن، لم يعد بمقدورها أن تستبدل أيا من اللونين من اللحوم بسبب غلاء ثمنها.
بدورها ” أم محمود ” لديها خمسة أولاد من حي صلاح الدين، قالت إن ابنها يعمل في محل نجارة براتب ٥٠ ألف ليرة أسبوعيا ووجبة الفروج الواحدة – سواء المشوي أو النيء – ستكلفها أجرة الأسبوع كاملا مما اضطرها للاستغناء عن شرائه.
*تعددت الأسباب..
وهنا يبرر أصحاب محال بيع لحوم الفروج ” بشتى أنواعه ” سبب ارتفاع الأسعار بعد رفع التسعيرة من قبل أصحاب المداجن، وارتفاع سعر العلف ومستلزمات تدفئة الدجاج خلال فصل الشتاء.
وقال أحدهم : إن حركة الشراء تأثرت في الآونة الأخيرة، ولم يعد باستطاعة الكثير من العائلات تناول الفروج أو حتى مجرد التفكير على وضعه ضمن مائدة الطعام، وتابع يقول: إن أجور الطرقات ونقل الفروج والتدفئة وغيرها من الأسباب ، زاد من الأسعار، وأردف، لا نستطيع التقيد بتسعيرة الوزارة ، لأننا في حال المبيع حسب التسعيرة فإن خسارتنا ستكون مستمرة .
* الورق والواقع..
وتشير التسعيرات الجديدة الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فيما يخص الفروج ، أنها جاءت بهدف وضع ضوابط لارتفاع الأسعار، وتحديد أسعار ” تأشيرية ” للفروج الحي والمذبوح، وهنا المفارقة العجيبة والغريبة ، فمع كل تسعيرة جديدة نجد أن الأسعار قد ارتفعت بالرغم من فاصل الأيام القصير بين التسعيرة والأخرى ، ومع ذلك كله نجد أيضا عدم تقيد أصحاب المحال بتلك التسعيرات، ولنا خير مثال على ذلك أي محل أو سوق منتشر بحلب وأحيائها ترتأيه دوريات التجارة الداخلية ليكون مقصدا لها ولتجد أن أحدا من هؤلاء يتقيد بالتسعيرة..
وبعيدا عن هذا وذاك ، ولأننا بتنا على يقين تام أن لا فائدة ترجى من طريقة وأسلوب مراقبة الأسواق والمحال، نود التأكيد على نقطة جد مهمة ولا يمكن السكوت عنها بأي شكل كان ، وما نقصده هنا أنه في الآونة الأخيرة بتنا كثيرا ما نسمع أو نقرأ أن مديريات التجارة الداخلية تعلن بشكل شبه يومي عن تنظيم ضبوط تموينية لبيع اللحوم الفاسدة أو المغشوشة، ومخالفات الفرم المسبق للحوم وخلط اللحوم الحمراء بالبيضاء وبيعها على أنها لحوم حمراء، بالإضافة إلى ضبوط تموينية لورشات “نتر الفروج ” أو ما شابه ذلك .
* أزمات مركبة..
ومن هنا نحن كمواطنين بالمقام الأول نقول : إننا قد نتجاهل مسألة عدم التقيد بالتسعيرة المعلنة ، ولكن لا يمكننا التساهل أبدا بمثل هذه الحالات وعلى مراقبي التجارة الداخلية ومن يعمل معها ألا يتساهلوا مع حالات الغش أو بيع اللحوم الفاسدة للمواطنين، لأن المواطن ببساطة لا تنقصه أزمة تضاف إلى أزمات أسعار اللحوم والمواد الأساسية ، مع شح في توصيل التيار الكهربائي للمنازل ، ما يدفعه للاعتماد على المولدات الضخمة المشتركة ” الأمبيرات ” ، فضلا عن الارتفاع المستمر في أسعار المحروقات وصعوبة تأمينها.
*حماية المستهلك تتابع ..ولكن .. !!
آخر المطاف ولأجل ما ذكرناه سابقا، وكون له علاقة سواء مباشرة أو غير مباشرة مع التجارة الداخلية وحماية المستهلك ، فقد أوضح مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب “المهندس أحمد سنكري طرابيشي” أن المديرية نظمت منذ تاريخ ١٠ / ١٢ الشهر الماضي وحتى الآن نحو ” ٤٢ ” ضبطا بحق مخالفين شملت الجمع بين النوعين والبيع بسعر زائد للفروج ونقع فروج نيىء وعدم إبراز فواتير نظامية والإعلان عن أسعار وعدم حيازة فواتير فروج ، وكذلك عدم إبراز شراء لحم ديك وعدم الإعلان عن سعر الديك ، فضلا عن تنظيم ” ٨ ” ضبوط بحق مسالخ لعدم إبراز فواتير .
ويرى “طرابيشي” أن دوريات المديرية لا تتوانى عن التحقق من أية مخالفة ، خاصة تلك المتعلقة بالنشرات السعرية التي تصدرها المديرية بين الحين والآخر فيما يتعلق بمادة الفروج والتي يتم المحاسبة على أساسها، مضيفاً أنه يتم تشديد الرقابة بشكل أكبر على الأسواق التجارية والمحال بالتعاون مع مجلس المدينة ، مؤكدا بالوقت نفسه أهمية ثقافة الشكوى لدى المواطنين ، وإحالة أي مخالف للقضاء أصولا.
تصوير : خالد صابوني