الثورة – هفاف ميهوب:
في تقديمه لكتاب “عن الشرّ” للمفكر والمنظّر البريطاني “تيري إيغلتون”، يقول الباحث والمترجم العراقي، د. “عزيز جاسم محمد”:
“… ما جذبني إلى ترجمة هذا الكتاب، الموضوع الذي يتناوله: الشرّ الذي طغى على الخير في عصرنا الحالي.. لقد انتفض “إيغلتون” على تصوّر النقاد والفلاسفة المعاصرين لفكرة الشرّ، تاركاً وراء ظهره الاعتقاد بأنه السبب وراء كلّ الرغبات والشهوات البشرية على الأرض..
يحتوي الكتاب، على شرحٍ متقن لمفهوم الشرّ، من وجهات نظر نفسية ولا هوتية وفلسفية وسياسية، يجمع فيها “إيغلتون” مفهوم “فرويد” لدافع الموت، والمفهوم اللاهوتي للخطيئة الأصلية.. لقد جعل من الأحداث الراهنة، أساساً لفكرته الجديدة عن الشرّ، ليس في الأدب فحسب، وإنما أيضاً في الواقع، وبطريقةٍ خلط فيها ما بين الواقع والخيال..”…
يعترف “إيغلتون” بأنه اعتمد في شرحه لنظرية الشرّ على فكرة “فرويد”، حيث يرتبط دافع الموت بالأنا العليا، وهي هيئة الضمير الأخلاقي التي توبخنا بسبب تجاوزاتنا، فتثير فينا شعوراً مميتاً بالذنب، ويصفها بـ “الثقافة الناصعة لغريزة الموت”، ويرى أن الشرّ هو كلّ شيء عن الموت، لكن “بقدر ما هو عن موتِ فاعلي الشرّ، يكون عمن أبادهم الشرّ”..
لمعرفة ما يعنيه هذا، ينظر “إيغلتون” في بعض الأعمال الروائية، ويختار أمثلته من “روايات شريرة”.. مثلاً: رواية “بنتشر مارتن” التي يروي “ويليام غولدينغ” فيها، قصة “رجل فاسق ومتهور، يستخدم الآخرين لتحقيق ربحه وسعادته، ويتجسد العنف لديه عند بداية انقسام الروح عن الجسد.. الإرادة المجرّدة للسيطرة والتدمير، والجسد الذي لا معنى له وتعيش فيه الإرادة ضمن “الوعي المظلم” الذي هو جوهر الوعي المدفون في داخل جمجمة هذا الرجل، حيث الأنا الوحشية التي تحرمه من التفكير إلا بنفسه، وهو ما لا يعبّر عن قول “سارتر”، فالجحيم هنا هو العالق أبداً مع الذات التي هي أكثر الأشياء رعباً ومخافة ووحشية”..
أيضاً، وفي رواية “لورد الذباب” يسعى الكاتب نفسه، لتقويض جهود مجموعة طلاب، يعيشون في جزيرة يفكرون ببناء نظام عليها، عن طريق العنف والتطرف.
أمثلة عديدة قدمها “إيغلتون” عن الروايات التي تحمل العنف وتجسد الشرّ، ليكون استنتاجه، كما “غولدينغ” عندما قال على لسان بطله في “السقوط الحر”: “لا يبدو البشر قادرين على التحرك، دون قتل بعضهم بعضاً”..
بعد روايات شريرة، ينتقل “إيغلتون”إلى المتعة الفاحشة، مشيراً إلى فكرة الساحرات الثلاث في مسرحية “ماكبث”، وهن برأيه: “مفعمات بالكراهية، ويرين حتى الوجود الإنساني بغيضاً، ويفرحن فرحاً فاحشاً، في تقطيعهنّ أوصال الحياة المخلوقة..”..
يقدم مثالاً آخر، عن الشرّ الذي تناوله أيضاً “شكسبير” في مسرحية، يقدم فيها “ياغو” كل دوافعه لكراهية “عطيل”.. تماماً كما يفعل “شايلوك” في “تاجر البندقية”..
أخيراً، يتوجه “إيغلتون” إلى الشر الكبير، وهو الشرّ الذي اقترفته أميركا، ليكون ردّه على قول ” ريتشارد بيرنشتاين” في كتابه “الشرّ الراديكالي”: “إن تدمير مركز التجارة العالمي، هو خلاصة الشرّ في عصرنا..”..
“يبدو أن بيرنشتاين، لم يلحظ أن الولايات المتحدة قتلت، وبشكل لا يمكن تصوّره، من المدنيّين الأبرياء في منتصف القرن الماضي، أكثر من العدد الإجمالي لأولئك الذين لقوا حتفهم في مأساة نيويورك.. وأودّ الإشارة إلى أنه جرى ذبح أكثر من هذا العدد مئات المرات، أثناء الحرب الإجرامية على العراق.. يمرّ بيرنشتاين مرور الكرام على الطغيان والمجازر التي ارتكبتها أمّته باسم الحرية..”..
يختم “إيغلتون” بإشارته إلى الإرهاب والعقائد الغريبة المتوحشة والجاهلة، لينتهي إلى أن: “المزيد من العنف سيولّد المزيد من الإرهاب، الذي سيعرّض بدوره حياة المزيد من الأبرياء للخطر، وما يزيد الطين بلّة، أن يكون الإنسان متواطئاً مع الهمجية ذاتها التي يدينها..”..
صدر الكتاب عن “دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع ـ سورية ـ دمشق” 2021.