على سيرةِ أنّ المبدأ العام عندنا هو أنّ الواحد منّا صار يشهق ولا يلحق، وأنّ كلّ شيء تقريباً بات هكذا ..يشهق ولا يلحق .. فقد صرنا على خشيةٍ من أن نعتاد على ذلك حتى لو أننا رحنا نعالج أمراً بسيطاً للغاية، وهذا ما يُعرّضنا لمخاطر غير محسوبة تُفقِدُنا الكثير من الفرص الإيجابية الممكنة في حين نشهق ولا نلحق في هذه الظروف التعيسة في البحث عنها والتمسّك بها وتغنيجها دعماً وحباً ورجاءً بأن تبقى ولا تفرّ هاربةً من بين أيدينا علّنا بها نسدُّ ثغرة، من تلك الثغرات المترامية الأطراف التي تُداهمنا من كلّ حدبٍ وصوب .
أجل .. صرنا على خشية من أن نفعل ذلك دائماً مثلما فعلت وزارة الزراعة عند نهاية العام الماضي – بداية العام الحالي – وقتما راحت تشهق ولا تلحق حتى أصدرت قراراً حدّدت فيه أسعار الغراس المعدّة للتصدير وحدّدت تلك الأسعار بالقطع الأجنبي وباليورو تحديداً، وعندما صدر هذا القرار قلنا يا للغنيمة .. سنُغرق العالم بغراسنا، وسنملأ الدنيا بالأخضر واليخضور المنبثق من هنا من أرضنا الطيبة، لتعود إلينا تلك الغراس بملايين وربما بمليارات اليوروهات، فلا شيء ينقصنا حتى نكون قادرين على غزو العالم بغراسنا الجميلة والمعطاءة والمرغوبة.
وفجأةً أدركت وزارة الزراعة أن هذه الغراس التي تنتجها في مراكزها، والتي كانت مُعدّة للتصدير، هي بالكاد تكفي احتياجاتنا هنا في الداخل، فراحت تشهق ولا تلحق حتى أصدرت قراراً معاكساً منعت بموجبه تصدير الغراس المنتجة في المراكز الزراعية الحكومية ..!
كنا نعتقد بالفعل أن لا شيء ينقصنا حتى نكون قادرين على تصدير كميات كثيرة وكبيرة من الغراس المتنوعة الأشكال والأصناف، مثمرة كانت أم حراجية لتعود إلينا بواردات محرزة من القطع الأجنبي التي نشهق ولا نلحق من أجل تأمينه وتوفيره، وإذ به ينقصنا الكثير على ما يبدو، فالإنتاج بالكاد يكفينا وحسب.
فرصة ذهبية فقدناها بامتياز كان يمكن أن تدرّ علينا الكثير الكثير من ذلك القطع النادر .. ولكن لا فائدة من ذلك ولا من أي تحسّر على ما حصل .. هذا هو أمرنا الواقع المؤلم .. إذ لم نستفد شيئاً من أراضينا الشاسعة الواسعة من أملاك الدولة التي تنام وتستيقظ بوراً، بلا نفعٍ ولا فائدة، ولا من كوادرنا العلمية ولا البحثية ولا المُعَطَّلة الهائلة التي كانت قادرة على إنتاج ملايين ملايين الغراس القابلة للتصدير .. ولكن أمام ما نحن فيه .. وما اعتدنا عليه فقد ( أبدعنا ) بإصدار قرار تسعيرة غراس التصدير .. وقرار آخر بمنع تصدير الغراس .. !! في الحقيقة معنا حق أن نشهق .. ولا نلحق.
على الملأ- علي محمود جديد