الثورة – تحقيق – سهيلة علي إسماعيل:
لا نبالغ ولا نأتي بجديد إذا قلنا أن تأمين منزل في محافظة كحمص، مدينة وريفاً أصبح حلماً صعب التحقيق، ما جعل الشباب وأهاليهم في حيرة من أمرهم خاصة بالنسبة لذوي الدخل المحدود وهي تشكل الغالبية الكبرى من المواطنين. ونلاحظ أنه وعلى مدى سنوات لم تنجح الحكومة في إيجاد حل لمشكلة تأمين سكن لائق لمواطنيها سواء من خلال الاتحاد التعاوني السكني وما يتبع له من جمعيات، أو من خلال إطلاق مشروع السكن الشبابي ومشاريع الإسكان العسكري، وهنا يتندر المواطنون المسجلون على شقق في إحدى الجهات المشار إليها بأنهم ربما يورثون الشقة لأحفادهم ما دام الحصول على شقة سكنية يتجاوز الـ 30 سنة.
ولا ننسى أن تحليق أسعار العقارات رافقه تحليق في أجور المنازل أو رهنها. فأصبح أجر غرفة عادية في حي شعبي يتجاوز المئة ألف ليرة سورية…!!
* مواطنون: لا ندري ماذا نفعل…!!!
كادت السيدة “و.أ ” أن تبكي وهي تتحدث عن صعوبة تأمين شقة صغيرة لولديها اللذين أصبحا في سن تؤهلهما للزواج والاستقلالية وذلك بسبب غلاء الأسعار وعدم قدرتها على دفع الملايين، رغم أنها هي وزوجها موظفان، وأضافت بأنها حتى ولو حصلت على قرض فلن يكفي لشراء غرفة صغيرة في حي من الأحياء الشعبية الموجودة في مدينة حمص.
بينما عبَّر الشاب “أحمد” عن ضيق ذات يده وهو الموظف في إحدى مؤسسات القطاع العام وأجرى حساباً بسيطاً مفاده أنه إذا أراد شراء شقة صغيرة بمساحة 60 متراً مربعا فعليه أن يدخِّر حوالي 160 ألف ليرة سورية من مرتبه الشهري لمدة عشر سنوات وهو بالكاد تجاوز الـ 120 ألف حتى بعد الزيادة الأخيرة.
وألقى اللوم خلال حديثه على الجهات المعنية غير المهتمة بتأمين مساكن للشباب تتناسب مع دخلهم الشهري.
بينما رأت السيدة “عفاف” أن الحصول على شقة صغيرة كان في السنوات الماضية أمراً متاحاً ،أما الآن ومع ارتفاع أسعار مواد البناء وصعوبة المعيشة في ظل الظروف الحالية فأصبح الأمر مستحيلاً ما سينعكس سلباً على الحياة الاجتماعية.
أما “عبد الكريم .خ” فقال: لم أرث منزلاً عن أهلي، وإنما حصلت على قرض أنا وزوجتي الموظفة واستطعنا شراء شقة صغيرة. وقد حدث هذا منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، أما الآن فلن أستطيع شراء شقة لابني مهما كانت صغيرة لأن أسعار العقارات ارتفعت ارتفاعاً جنونياً وحتى لوحصل هو على وظيفة سواء كانت في القطاع العام أو الخاص فلن يستطيع شراءها لتأسيس حياة مستقلة. لقد أصبحت المشكلة مشكلة مجتمع بأكمله ولم تعد مشكلة أفراد معدودين وحتى لو فكر أي شاب باستئجار منزل فإن أجور العقارات باتت هي الأخرى فوق طاقة المواطن لأن جميع المواطنين وفي مقدمتهم الموظفين يعجزون في الظروف الحالية عن تأمين لقمة العيش فكيف سيؤمنون منزلاً إن لم تتغير الظروف.
* العرض والطلب..
توجهنا إلى بعض المكاتب العقارية في أحياء حمص وسألناهم عن سوق العقارات، وكانت البداية من حي الإنشاءات فقال صاحب مكتب عقاري: إن العقارات مثلها مثل أي سلعة تخضع لمبدأ العرض والطلب وحركة السوق، وقد شهد سوق العقارات في حمص في الآونة الأخيرة بعض الركود وربما يعود السبب إلى ارتفاع أسعار العقارات التي يقابلها ضعف القوة الشرائية للمواطن، والجميع يعرف أن سبب ارتفاع أسعار العقارات يتعلق بغلاء مواد البناء والإكساء وهي أمور خارجة عن إرادتنا كمكاتب عقارية.
بدوره صاحب مكتب عقاري في حي ضاحية الوليد اعتبر أن ارتفاع أسعار العقارات في محافظة حمص عادي جداً إذا ما قورن بأسعار المواد الغذائية والحاجات الضرورية، وأضاف أن من يشتري بيتاً جاهزاً أوفر له من شراء بيت على العضم لأن كلفة الإكساء مرتفعة جداً، إضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة، وكلها أمور ساهمت في تحليق أسعار العقارات.
أما بالنسبة لأجور العقارات فهي الأخرى شهدت ارتفاعاً فوصلت أجرة غرفة مفروشة إلى 120 ألف في حي مخالف وأجرة غرفتين وصالون إلى 175 ألف ليرة وقد تأذى طلاب الجامعة ومن لا يملكون منازل من قضية ارتفاع الأسعار والأجور.
* دور الجمعيات السكنية..
وفي اتصال هاتفي مع مدير مديرية التعاون السكني المهندس “اسماعيل السعيد” سألناه عن دور المديرية في تأمين شقق سكنية للراغبين من المواطنين فقال: يوجد في حمص 142 جمعية تعاونية للسكن والاصطياف، وهناك 103 جمعيات منها مخصصة بـ 152 مقسماً للسكن ضمن التوسع الغربي في حي الوعر في القطاعين الرابع والسادس، وتقوم الجمعيات التعاونية السكنية بتنفيذها بأبراج سكنية وفق مراحل متفاوتة على أن يتم تنفيذ البنى التحتية لتلك المواقع – تنفيذ طرقات، أرصفة، حدائق، صرف صحي، كهرباء، مياه – وقد باشرت فعلاً إحدى الشركات الخاصة بتنفيذ المرحلة الأولى منذ عام 2009 ورست عقود المرحلة الثانية على الشركة العامة للطرق والجسور وباشرت عملها حتى 31 -12- 2011 حيث توقفت عن العمل بسبب الحرب العدوانية على سورية.
وبعد عودة الأمان للمحافظة تم استئناف المشروع في الشهر الأول من العام الماضي، لكن ومع ارتفاع الأسعار توقفت الشركة لإجراء تحديد وتعديل للأسعار وشُكلت لجنة وزارية بهذا الخصوص، وتم تعديل الأسعار وفق الأسعار الرائجة، واعتبر السعيد أنه من أهم مطالب الجمعيات تأمين مقاسم وأراضٍ للبناء من القطاع العام بسعر الكلفة كمجلس المدينة والبلديات والوحدات الإدارية أو المؤسسة العامة للإسكان.
* مرتفعة مقارنة بالماضي..
وعن مساهمة الجمعيات في حل أزمة السكن قال السعيد: لقد تم إنجاز 152 مقسماً للسكن في مراحل متفاوتة وبنسبة إنجاز 70%، أما بخصوص الأسعار فتحددها المساحة والمنطقة وهي بشكل عام مرتفعة مقارنة بالماضي القريب مع أن هناك الكثير من المواطنين استفادوا من الجمعيات وحصلوا على مساكن رخيصة الثمن.
* تأمين منزل لكل أسرة واجب وطني..
تابع المهندس إسماعيل حديثه معتبراً أن عمل المديرية يقوم على تطبيق مقولة أن تأمين منزل لكل أسرة واجب وطني، لكن ولكي تعمل الجمعيات على نحو جيد يجب أن يكون لديها مجلس إدارة جيد وأعضاء ملتزمون ومقر مناسب، وأن تتعاون معها الجهات الأخرى كمجلس المدينة المعني بمنح التراخيص، ويحق لكل مواطن الاستفادة من فرصتين سواء في جمعية واحدة أو في جمعيتين مختلفتين ويحق له التنازل عن دوره عند التخصيص إذا أحب ذلك.
* للجمعيات دور إيجابي..
أما رئيس مجلس مدينة حمص المهندس “عبدلله البواب” فرأى أن الجمعيات ساهمت في الفترات السابقة مساهمة إيجابية في تأمين مساكن لائقة للمواطنين وخاصة الجمعيات الخاصة، أما الآن فقد أفُل دورها وربما يعود ذلك لطول المدة الزمنية اللازمة للإنجاز أو بسبب غلاء الأسعار.. وهناك أمثلة واقعية في مدينة حمص / المساكن الغربية ومساكن غرب طريق دمشق/ وعن دور مجلس المدينة في تقديم التسهيلات للجمعيات السكنية. أضاف البواب أن المجلس خصص 1000 هكتار لتنظيم التوسع الغربي منها 600 هكتار للإسكان وختم “البواب” حديثة معتبراً سبب ارتفاع أسعار العقارات في حمص هو ارتفاع أسعار مواد البناء والإكساء وأجور اليد العاملة وغيرها.