ينسب إلى الرئيس الأسبق أديب الشيشكلي قوله: إن سلطان باشا الأطرش وحد سورية مرتين، المرة الأولى عندما قاد الثورة السورية الكبرى، والأخرى عندما انسحب برجاله إلى الأردن، وحافظ على الوحدة الوطنية.. عندها قامت المسيرات ضدي في حماة وحمص وحلب ودمشق، وأخذ الناس هناك يناشدون أبناءهم رفض أوامري، عندها شعرت بأن سلطان باشا هزمني وطنياً وأخلاقياً، واستطاع توحيد السوريين مرة ثانية.
وهكذا كانت نهاية عصر شديد الخطورة من تاريخ سورية الحديث، حيث واجهه الشعب بالموقف الإيجابي المحافظ على القيم الوطنية والأخلاقية في الوقت ذاته، فكان الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه والارتقاء إلى مرحلة أكثر تقدماً وازدهاراً.
وللإنصاف لم يكن هذا الأمر من القيم والمبادئ الأخلاقية حكراً على العرب والسوريين وحدهم، فقد كانت الأمم العظيمة تتحلى بقيم الوفاء والإيثار وتقديم المصلحة العامة والوطنية على المصالح الفردية والشخصية الضيقة، ولم يكن ذلك منة أو تفضلاً، بل كان سلوكاً واجباً ونهجاً توافقياً لا يحتاج دعاية وتبجحاً ومفاخرة بين المواطنين فيما بينهم.
وارتبطت قيمة الحفاظ على المبادئ الوطنية والأخلاقية بالاستعداد لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه الأوطان والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل حرية الوطن وكرامته، وهذا يعني بالتأكيد رفض الخيانة الوطنية والتعامل مع العدو أو المحتل.
ولئن كان هذا الكلام من بديهيات الحياة والمعرفة النظرية، لكن الوقائع والمجريات في الكثير من مناطق العالم جعلت الأمور تسير عكس ذلك، فالالتزام الوطني مسألة سياسية نسبية، والخيانة والتعامل مع العدو وجهة نظر خلافية والارتماء في أحضان المحتلين والغزاة مصالح شخصية لا تعلو فوقها مصلحة أخرى.
وذلك كله يتم في إطار عمل ماكينة إعلامية تعمل على كي الوعي وسلب العقل وتغييب التفكير ونشر أفكار تعاكس طبيعة التربية والسلوك والقيم الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات على امتداد السنين .. تلك كانت إحدى جوانب العولمة المظلمة والتي سعت لنخر المجتمعات من الداخل لإضعافها وتسهيل السيطرة عليها وبالتالي السيطرة على مقدراتها ومحو تاريخها وتراثها وسلب إرادتها فتغدو تابعاً بلا إرادة أو موقف أو تفكير أشبه بطبائع الحيوانات الداجنة والمروضة، فلا تحتج ولا تبدع ولا تلعب دوراً منتجاً وتتخلى عن تاريخها وثقافتها وتنسى مقدار مشاركتها في الإرث البشري والحضارة الإنسانية.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد