بقراءة موضوعية وتحليل علمي لنشوء ذلك الكيان وراهنيته تبرز أمام القارئ الكثير من القناعات والعبر في إطار ديناميات الصراع القائم ومنها أن الحركة الصهيونية وإن كانت قد نجحت في تحقيق بعض أهدافها بفعل الظروف التاريخية التي توفرت لها وبفضل تنظيمها واستثمارها لعناصر قوتها وقوة حماتها وحامليها التاريخيين وعلى المقلب الآخر ضعف العرب وتشرذمهم ووقوعهم تحت أشكال عديدة من الاستعمار أو الارتهان لقوى الخارج لجهة أن الوجه الآخر للحالة الصهيونية المتفوقة هو الضعف والتشرذم العربي والفلسطيني مع الأسف فبالقدر الذي كان فيه قيام وتوسع ذلك الكيان نتاج أيديولوجيا مجسدة مادياً وفكرياً فإنه في الوجه الآخر كان أحد مفاعيلها الوهن العربي واستلاب الإرادة السياسية ودوران الكثير من الأنظمة العربية في الفلك الغربي والأمريكي البيئة الحاضنة تاريخياً للجسد الصهيوني. إن دراسة مقطع تاريخي لتضاريس صراعنا مع الكيان الصهيوني تكشف حقيقة أنه يتوسع في مناطق الفراغ العربي وأنه يتراجع ويهزم عند توفر إرادة عربية أو تضامن عربي فعال وكفاحي ودليلنا وشاهدنا على ذلك حرب تشرين عام 1973 والانتصار الذي حققته المقاومة الوطنية اللبنانية عامي 2000 و2006 ولمعاينة وتبصر تاريخ نشأته واستمراره ومشهديته عبر مقاطع زمنية يمكننا الوصول للنتائج التالية:
1-إن قيام ذلك الكيان بقدر ما كان استجابة لحلم تاريخي وسردية دينية استبطنت تلافيف المخيال اليهودي فإنه في الوقت ذاته جاء متقاطعاً مع مصالح استراتيجية للغرب الاستعماري على ضفتي الأطلسي حيث أثبتت الأحداث التاريخية أن البعد الدولي عنصر أساس ومحوري في آليات الصراع لجهة استطالات الصراع وتشعباته والموقع الجيواستراتيجي للمنطقة.
2- إن ما أصاب المشروع الصهيوني من نجاح يعود لأسباب عدة منها التخطيط والتنظيم والتعبئة الأيديولوجية وعامل التحشيد الديني وحسن استثمار الظروف الدولية واستمالة الرأي العام الغربي والاعتماد على الإعلام والمال وجماعات الضغط واعتبارها الأيادي والأرجل للزحف باتجاه تحقيق ذلك الحلم.
3- الاشتغال على مقولة “شعب الله المختار” وتحويلها من مقولة دينية إلى حالة تفوق علمي ومعرفي وتقاني ومالي وإعلامي جعل من اليهود على قلة عددهم قوة فاعلة ومؤثرة على الصعيد الدولي سيما في ظل عولمة اجتاحت العالم ورسمت معالم مستقبل جديد للبشرية يعتمد على فائض القوة المعرفية والتقانية وليس الكم البشري والسكاني.
4-إن قوة الحركة الصهيونية لا تقف عند حدود الذاتي وإنما تتجاوزه بالتموضع في مفاصل أذرع قوية ومن ثم تسخرها لخدمتها كما هو الحال مع بريطانيا قبل قيام الكيان والولايات المتحدة الأمريكية لاحقا وبالتوازي مع ذلك نرى الضعف العربي عامل آخر في قوتها واستمرار تفوقها.
من منظور تلك القراءة المكثفة يمكننا تحديد جملة تحديات حقيقية تواجه ذلك الكيان يأتي في مقدمتها أنه كيان يعاني من عقدة الاعتراف بوجوده وقبوله على المستويين الرسمي والشعبي العربي أي (شرعنته)عبر ما يسمى كذباً التطبيع والتحدي الآخر تتمثل في أنه واقع موجود بالقوة ولم يتحول إلى حقيقة يقبلها العرب بالرغم من بعض أشكال الاتفاقيات السياسية معه من بعض الأنظمة العربية يضاف إلى ذلك أن حالة العداء لم تقف عند الحدود الفلسطينية والعربية بل إلى عوالم أخرى إسلامية ومسيحية بحكم الموقع الروحي لفلسطين وبالتحديد مدينة القدس العاصمة الروحية لمئات الملايين من المسلمين والمسيحيين ولكون القضية الفلسطينية قضية تحرر وطني أيضاً فهي بهذا المعنى قضية ذات بعد مركب ومكثف وإلى جانب تلك التحديات ثمة تحديات أخرى منها أن الخطاب الصهيوني ركز على مقولة زائفة وهي أن فلسطين أرض بلا شعب وها هو العالم كله بما فيه الكيان نفسه يعترف بوجود شعب فلسطيني فكيف يمتلك (شعبان) أرضاً واحدة؟ سيما وأن الكيان الصهيوني لم ينجح حتى الآن بما يمكن تسميته عملية الصهر الثقافي والتناسق المجتمعي للمهجرين اليهود المستجلبين من بيئات مختلفة حيث بقيت الفوارق الثقافية والأثنية واللغوية تفعل فعلها يضاف إليها حالة التفرقة بين اليهود الشرقيين والغربيين فبالرغم من أن سكان (إسرائيل)في غالبيتهم من الشرقيين إلا أن اليهود الغربيين هم الذين يشكلون غالبية النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية ما يعني أننا أمام ما يمكن تسميته تجمعاً وليس مجتمعاً بالمعنى السيسيولوجيا.
والحال: إننا أمام كيان استيطاني إحلالي عنصري ولسنا أمام “دولة” تشكلت تاريخياً ما يعني أنها محكومة بمثيلاتها من الكيانات الاستيطانية كجنوب إفريقيا وروديسيا اللتان قامتا على أساس عنصري استيطاني وكان مصيرهما السقوط والزوال وبقاء أصحاب الأرض الأصليين وهذا باعتقادنا وقناعتنا وبحكم دروس التاريخ وندائه هو مصير ما سمي (إسرائيل).
إضاءات- د . خلف المفتاح