سَترت ورقة التوت عورة الإنسان في غابر الأزمان ، وفي الزمن الحاضر كانت مصدر الرزق لآلاف العائلات و مورداً مهماً للصناعة والتميز والتباهي من خلال الحرير الطبيعي ، كما رسمت طريقاً للتجارة العالمية كان ومازال ويُعرف بطريق الحرير .
سورية من أكثر الدول شهرة في عالم الحرير الطبيعي فبعد أن كانت بالبداية ممراً للحرير القادم من الصين وبلاد فارس إلى أوروبا ، أصبحت بلداً منتجاً للحرير وبترتيب عالمي ، بالكمية والجودة إلى أن أتى زمن غلب فيه البطر و المصالح الخاصة على مصلحة المجتمع والبلد .
مشكلة شجرة التوت وبالنتيجة الحرير الطبيعي ليست في وزارة الزراعة وإنما للأسف في وزارة الصناعة التي فشلت في تسويق الحرير وتصنيعه الأمر الذي دفع المربين للعزوف عن تربية دودة الحرير كما حال كثير من الصناعات الزراعية ، وبذلك تم إخراج شريحة واسعة من مربي دودة الحرير لصالح شريحة تجار تستورد الحرير الصناعي .
شجرة التوت شجرة حراجية لا تحتاج لأي نوع من الاهتمام فهي لا تحتاج لمبيدات بل على العكس أكثر شيء يهددها هو المبيدات ولا تحتاج للري ولا لفلاحة الأرض ولا للسماد ويُمكن أن تشكّل علامة فارقة بالإنتاج السوري لنواحي الكميات والجودة وتشغيل اليد العاملة والصناعة الوطنية والتصدير وتحسين الدخل .
عودة الناس لتربية دودة الحرير يُمكن أن يكون أكبر نجاح للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر لكثير من الجغرافيا السورية لأنها مشاريع عائلية بامتياز يشارك بها كلّ أفراد العائلة ولا تحتاج إلى مواد أولية و رأسمالها أوراق التوت واليرقات التي كانت تستوردها الدولة في الماضي من اليابان .
المبادرات الخجولة التي حصلت في السنوات الأخيرة لا تعيد تربية دودة الحرير ، والأمر يحتاج إلى جدّية في تأمين اليرقات ، فاليرقات التي تمّ توزيعها لعدد من الأسر في الأعوام الماضية لا تشجع على عودة الإنتاج بل كانت مُحبطة ، فالعلبة من اليرقات اليابانية ( وحدة قياس معتمدة في تحديد كمية اليرقات ) كانت تُعطي ما بين 55 – 65 كيلو من شرانق الحرير بينما ما تمّ توزيعه في وادي قنديل لم يعط سوى 15 كيلو من اليرقات وهذا يستدعي التحرك على جبهتين الأولى لتوريد اليرقات من اليابان ، والثانية في البحوث الزراعية لإنتاج يرقات محسنة ، وعندما يعالج هذا الأمر فالعودة لا تأخذ وقتاً طويلاً لأن أشجار التوت تنمو بسرعة و ما زال هناك الكثير منها .
إنتاج الحرير الطبيعي مطلوب في كلّ أسواق العالم ، إلا في أسواقنا فاستبدله التجار وعرابوهم بالحرير الصناعي ، وإعادة إنتاج الحرير الطبيعي أمر غاية في الأهمية للطلب العالمي عليه وكونه يُنتج عائلياً وفي جغرافيا واسعه وبتكاليف بسيطة ووقت قصير( شهر ونصف ) ولجودته وفوائدة وليس هناك ما يُعيبه سوى الإضرار بمصالح شريحة استباحت كلّ شيء وسخرته لمصلتحها.
على الملأ- معد عيسى