الثورة – رشا سلوم :
الشاعرة السورية بنت البحر الواسع الازرق لا يغريها مداه العميق بمقدار ما تغريها الخضرة البهية وندى الكلمة التي تحاول أن تقطف من السماء نجوما وتحيك موج البحر من جديد متكئة على سكونها..
لجينة الشاعرة التي لا يغريها النشر كثيرا تصدر مجموعتها الجديدة :حرائق خضراء بعد ثلاث مجموعات صدرت منذ عام ٢٠١٤م إلى ٢٠٢٢م ..
حرائق خضراء تجاوزت الكثير من تجاربها الشعرية السابقة ..
تقرأ الحياة برؤية مختلفة تقول :
-جسدكِ لا يجيدك
يقول الحب.
-تقول مرآة البيت :
لم أر يوماً تلك الشامة
كما لو أنها عاشقة تحاول التخفي بثوب راهبة
انتهى به المطاف
بين الهضاب!
يرتعش الجسد من مجرد الكلام
و تهمّ يداه بستر حجلين
كادا يقفزان من فرط الاشتهاء
ملعون هذا الشرق
يقول الصوت
بصمت!
أقشر الكلمات بحذر
فلا أمنح اللحظة ما تستحق
ليسدل الستار عليّ
قبل ان يبدأ العرض!
الحب نحلة لا تفضل الازهار المنغلقة
قد تلثم ثغرها
لكنها ليست شريكتها المثلى
في العسل
قد لا يكون مهما
ما سأقوله الآن
ولكن
” حين ينقطع الوتر
تلثغ الكمنجة باللحن”
هذا ما يحدث
لقلبي
في
غيابك!”
قالتها أنثى
ومضت في الغياب.
وتقول بمكان آخر..
ونبهان ليست شاهدا على اعتصار النبيذ وكفى :
لست حارسة النبيذ
بل الفارغ من الكأس
و الممتلىء من الفراغ!
أنام وهزائمي في الفراش ذاته
أغني لأوقظها
وأجلدني
أتكور في بطنها جنيناً
لا كي أولد من رحمها
بل لأمضي سابحة.في مائها
أصطاد فتاتي..
أكتب من أجزائي الهشة
نادلة القصيدة أنا
أطعمها جوعي
لأشبع من تخمتها
وأنال التبريكات !..
يقول الجزء الصلب منّي:
لا أحد يموت خارج أرضه.
أردد :
لا أحد يموت خارج أرضه!
أعيدها على الساذج مني
يبتسم
يبكي
يتمتم:
لا أحد يموت خارج
(أرضه)
يربت بعضي على بعضي المتعب:
وليس أكثر همجية من ألم
لا يعي ذاته!
ألمس ندبي
أتمتم :
نعم ..
..
آخذ أول شهيق بعد الصحوة
أكتب أولى كلماتي:
أنا المرأة الهشة حدود الصلابة ..
قد ( أشبه طاولة غادرها السكارى متخاصمين )
ولكن
و مع كل هاوية
كما النهر، اولد
شلالاً..
خذوا كل ال(الطرابيش ) واتركوا لي رأسي.
لقد استطاعت نبهان أن تلفت النقاد إلى لون إبداعها وهذه شهادة ناقد عربي من مصر.
يقول عنها الدكتور محمد سعيد في قراءة المجموعة متحدثا عن الوطن فيها :
(مازلت أومن بارتشاح الحلم
حيث الــ(أنتَ) تنبض بالخلاص كمنتظر سيأتي لا محال
وأقول في سري، يراودني الجواب عن الحقول الشاسعات
على مجاز صدركَ الخصب الكليم:
هل كنتَ قبل الآن بيدرا كلما جاع الفؤادُ
ألقمتُه من قمحكَ المحفوف بالوجدِ الغرامَ
لتثور قافيتي على الأمداء تصهل بالغناء
هل كنتَ توريةً لبحر؟!
أو التضارعَ بين مدٍّ وقمر؟!
كلما لاح الضياءُ بمقلتيك على مشارف رؤيتي فاض الحنين بفضَّتي
لأصير شلالا على مرأى قمر
تناديني النوارس إلى شطوط أصابع
هي من قطوف قرآن وإنجيل تبرعمت في يديك
يتطاوف الجسدان
جسدي وقد خلع الشرانق والفراش ليعود ضوءا خالصا
جسدي وظلك
لا … جسدي وأنت .. أنتَ بكل موجكَ .. كل خيبات رمتك بطيشها
وكل ما فاتكَ من حليبٍ ومن قُبل
يا كلِّي المنفي من زمن بعيد .. هلا أتيتَ لأكون كلَّكَ
إن المقطع يشير بوضوح إلى ما ألمحنا إليه فيما سبق من أن الشاعرة ترى نفسها شافية للوطن، وترى الوطن أمانا لها، فتطلب منه أن يحتضنها؛ لتلثم جرحه، وترتق اليقين، وهو ما عبَّر عنه النص/الشاعرة (مازلت أومن بارتشاح الحلم حيث الــ(أنتَ) تنبض بالخلاص كمنتظر سيأتي لا محال) وفي هذا المقطع يتجلى هذا المعنى بوضح، على أننا نلاحظ أن الثنائية الضدية التي وردت في العنوان مازالت متحكمة في الدلالة؛ فنجد النص يرسم ملمحين متضادين للوطن: الأول ملمح النزيف وعدم اليقين، وهو ما يتناسب مع الدائرة الدلالية للحرائق، والملمح الثاني هو ملمح البيدر والقمح والغناء، وهو ما يتناسب مع الدائرة الدلالية الثانية/خضراء، ومن ثم فإن العنوان يظل مهيمنا على الدلالة في الديوان.).
لجينة نبهان تحمل مشروعا جماليا يبدو أنه قطع شوطا طويلا في الطريق إلى الذروة وهو يعد بالكثير من الجمال في قادمات الايام.