ما جرى في محافظة الحسكة خلال اليومين الماضيين، لا يمكن توصيفه إلا بالمسرحية التي كشفت مرة واحدة أبوية واشنطن للدواعش – كتنظيم إرهابي لم تنته مهمته بعد – وللميليشيا الانفصالية “قسد” التي يسند لها كل دور قميء تنفذه بحماس واهمة متوهمة بأنها ليست فقط ذراعاً وظيفيةً، بل هي الابن الشرعي لقوة عظمى لن تدعها أو ترميها في سلة المهملات يوماً!.
مسرحية جديدة، أم مجرد مشهد في المسرحية الأم التي جرت وتجري فصولها على أرض المعركة منذ ظهر تنظيم داعش الإرهابي لأول مرة؟ وهل من المصادفة ألا يبقى من أثر أو فلول لهذا التنظيم إلا في محيط قواعد الاحتلال الأميركي “التنف وملحقاتها” في المنطقة الشرقية وبمحاذاة الحدود مع العراق الشقيق؟
ما جرى في الحسكة، حي غويران، سجن ميليشيا قسد – الثانوية الصناعية السابقة – المعهد التقني بالمدينة، كلية الاقتصاد، المنشآت الحيوية والخدمية والأحياء السكنية الملاصقة .. هو جريمة حرب بكل معنى الكلمة، إذا كانت ارتكبت بحق المدينة لتدمير البنية التحتية فيها، فإنها الجريمة المرتكبة بحق الأهالي المدنيين العزل، وهي الجريمة التي أريد لها أن تكون الجسر لإعادة تعويم الدواعش، ولإحياء كذبة واشنطن بمحاربتهم لتبرير الإبقاء على احتلالها ونهبها، فيما صار معلوماً للعالم أن لا وجود لهؤلاء إلا في الحضن الأميركي!.
لماذا هي مسرحية، أو مشهد قصير ربما من المسرحية الأم؟
لو تمتع العالم بذاكرة، ولو امتلك الرغبة باستحضار ما هو مخزون فيها، لاكتشف دون عناء أنها المسرحية ذاتها، ففي كل المرات التي ظهر فيها الدواعش – من بعد دحرهم وتمزيق تنظيمهم ومشروع رعاتهم – في تدمر والبادية، في ريف دير الزور والحسكة، وعلى امتداد المناطق الحدودية مع العراق وداخله في الأنبار وسواها، كانت القواعد الأميركية هي نقطة انطلاقتهم للظهور ومعاودة النشاط الإرهابي، وهذا ليس من المصادفة، بل هو جزء من أداء العاجز، واجترار مقزز مفضوح للمحتل الغاصب ليستمر بلصوصيته وتهديده استقرار المنطقة.
اعترافات هيلاري كلينتون بأبويتها للتنظيم، تصريحات دونالد ترامب في هذا المجال، الوقائع التي صارت معلنة تفاصيلها الدقيقة، إضافة إلى الممارسات التي يتشارك فيها مع أميركا آخرون في تركيا وفرنسا وبريطانيا، مع الانفصاليين الميليشياويين، كلها تؤكد على نحو فاضح أبوية واشنطن للدواعش ومشتقاتهم.
الأخبار والمعلومات المضللة التي جرى تصنيعها في هذه الأثناء، هي نسخة مكررة عن سابقاتها، وإذا كانت الحقيقة واضحة معلنة، فإن الصورة التي تبدو عليها ردود الفعل الدولية “الأمم المتحدة” هي ذاتها، مشوهة إلى الحدود التي تلحق الأذى غير المسبوق بالعالم ونظامه، وإلا فما معنى الامتناع عن النطق بكلمة واحدة؟
سورية، تقوم بواجبها في هذه الأثناء، وهي إذا كانت تمنح الفرصة للحليف الروسي، وللعمل السياسي المقترن بتوجيه رسائل واضحة، فإن أهلنا هناك يواجهون المحتل، وأذرعه، ولن يتطاول الوقت قبل أن تنشأ مقاومته الشعبية الوطنية التي ستقتلع المحتل وتجبره على تفكيك قواعده، ذلك على التوازي مع اجتثاث الإرهابيين والانفصاليين.
معاً على الطريق – علي نصر الله