الثورة – عبد الحليم سعود:
عندما يتم الحديث عن الدمار الهائل الذي تحدثه الولايات المتحدة الأميركية في حروبها الكثيرة حول العالم، فأول ما يذهب التفكير إلى مدينة هيروشيما اليابانية، حيث أقدمت الولايات المتحدة في السادس من آب عام 1945 على قصفها بالقنبلة الذرية فأحالتها إلى كومة من الأنقاض متسببة بمقتل أكثر من 140 ألفا من سكانها خلال لحظات قليلة، ورغم أن الولايات المتحدة قد كررت هذا الفعل الشنيع والمدمر في مدينة ناغازاكي اليابانية بعد ثلاثة أيام من جريمتها الأولى، إلا أن هيروشيما بقيت الحدث الإجرامي والدموي الأفظع تاريخياً في سلوك الولايات المتحدة الأميركية العسكري.
لكن مع تدخل الولايات المتحدة المباشر في الحرب الإرهابية على سورية بذريعة مكافحة الإرهاب، شكلت مدينة الرقة السورية هيروشيما ثانية بالنظر إلى حجم الدمار الذي طال المدينة خلال أشهر من القصف الأميركي العنيف واستخدام أحدث وسائل القتل والدمار والموت، بحيث يظن من يرى المدينة اليوم بأنها تعرضت لأكثر من قنبلة ذرية مشابهة لقنبلة هيروشيما، في حين ظل عدد الضحايا الأبرياء في المدينة مجهولا لأن قوات الاحتلال الأميركي ومرتزقتها في ميليشيا قسد منعت وسائل الإعلام والمنظمات الدولية من إحصاء عددهم حيث قضوا جميعا تحت أنقاض منازلهم المدمرة.
الغريب أن التنظيم الذي ادعت الولايات المتحدة الأميركية محاربته خلال سنوات الحرب على سورية ودمرت بسببه مدينة الرقة وأحياء كثيرة في مدينة دير الزور والبوكمال والحسكة والميادين وعين العرب ومناطق ومدن وقرى أخرى لايزال نشطاً ويقوم بأعماله الإجرامية بين الحين والآخر، وآخرها في البادية السورية ومدينة الحسكة، ما يكذب ويفند كل الادعاءات الأميركية التي تبجحت بمحاربة الإرهاب، ليتبين للعالم أجمع أن القوات الأميركية المحتلة موجودة في سورية فقط من أجل تدمير الدولة السورية وسرقة ونهب ثرواتها النفطية والزراعية والتاريخية وإقامة كيانات انفصالية عميلة تخدم أجنداتها، ومنع قيام حل سياسي يلبي مصالح السوريين وينهي الأزمة المفتعلة في بلادهم.
طوال سنوات محاربة الجيش العربي السوري وحلفائه للتنظيم الإرهابي شنت الولايات المتحدة العديد من الغارات الجوية المؤازرة للتنظيم الإرهابي كي تؤخر سقوطه أو تمنع هزيمته، وحين تأكدت أن خيار سورية وحلفائها هو القضاء على التنظيم الإرهابي وباقي التنظيمات المشابهة له تدخلت واشنطن بشكل مباشر تحت عنوان مكافحة الإرهاب وأقامت تحالفا مزعوما لمحاربة التنظيم فارتكب هذا التحالف عشرات المجازر في المدن والبلدات السورية بحق المدنيين، وكان نصيب مدينة الرقة الحصة الأكبر من هذه المجازر التي ترقى إلى درجة الإبادة الجماعية، ففي تقارير كثيرة عن الوضع في المدينة المنكوبة ذكرت صحيفة “غازيتا” الروسية في تقرير لها على لسان شهود من داخل المدينة أن جميع المدارس، والمساجد، والمخابز، والمباني الحكومية، وآبار المياه قد دمرت بشكل كامل نتيجة القصف المكثف من طائرات التحالف الأميركي.
ولم تسلم المشافي أيضا من القصف، حيث تم تدمير فرع الهلال الأحمر السوري المشفى الذي كان يقدم الإسعافات الطبية لأكثر من 100 ألف شخص في المدينة، وقد ذكرت نائبة مديرة الفرع دينا الأسعد آنذاك أن قوات التحالف الأميركي الداعمة لما يسمى ميليشيا قسد قصفت المستشفى بتاريخ 3 آب، حيث تم تدمير المولدات الكهربائية، وسيارات الإسعاف، والمكاتب التابعة للمستشفى، ما أدى إلى سحقه بالكامل وتدمير عدد كبير من السيارات كانت في الجوار.
في حين أن عناصر تنظيم داعش لهم مراكز طبية خاصة بهم كما لا يتم إسعاف مسلحي التنظيم إلى هذا المستشفى، إضافة إلى أنه لم يكن هناك أي إرهابي داخل المبنى ساعة حدوث القصف. وبالتالي، يبدو جليا أن ما حدث في الرقة هو منهجية تدمير وليس عملية تحرير للمدينة.
إن العالم اليوم مدعو لإدانة جريمة تدمير مدينة الرقة باعتبارها الشاهد الحي على النازية والوحشية الأميركية، ومطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتعويض السوريين عن الخسائر الهائلة التي لحقت ببلدهم جراء التدخل الأميركي في شؤونهم الداخلية وسرقة مواردهم وثرواتهم النفطية ومحاولة تفتيت وتقسيم بلدهم بذريعة محاربة الإرهاب.