الثورة – هفاف ميهوب:
يقول الكاتب والروائي والمسرحي التشيكي “إيفان كليما”: “مامن شيءٍ أقرب إلى الموت مثل الحب المتحقّق، فظهور أحدهما هو ظهورٌ واحد منفصل، لكنه أيضاً ظهور وحيد وللأبد، فلا يحتمل أي تكرار، ولا يسمح بأيّ استئناف..”..
من يقرأ هذه الكلمات، لا بدّ أن يستنكر هذا التشبيه الذي جعل من الاستحالة وقوع حالة الحب أو الموت مرتيّن، ولاسيما في زمنٍ، وصفه عالم الاجتماع البولندي “زيغمونت باومان” بأنه زمن “الحداثة والحياة والأخلاق والثقافة السائلة.. زمن العولمة الذي تعدّدت وتمدّدت فيه العلاقات، إلى أن باتت صادمة ومبتذلة واستعراضيّة وهشّة… الزمن الذي تحوّل فيه حتى الحب الذي يراه “انفتاحٌ على القدر، وأسمى الحالات البشرية”، إلى “حبّ سائلٍ” تندر فيه تلك الخصال، بل تكاد تنعدم، بعد أن بات عبارة عن “ثقافة استهلاكية، تفضّل المنتجات الجاهزة للاستخدام الفوري، والاشباع اللحظي، والتأمين ضد المخاطر كافة..”..
رأى أيضاً، بأن “الوعد بتعلّم فنّ الحب، هو وعدٌ زائف، وبأن ما يفترض أن نعيشه مع المجهول، الغائب، المستقبل، انتهى إلى الهشاشة التي تهدّدها النزعة الملكية”.. النزعة التي وجدها تتحكّم في كلّ مجالات الحياة، في هذا العصر الذي هيمنت فيه العولمة، حدّ تمكّنها من تدمير حتى العلاقات الإنسانية والوجدانية والعاطفية، وذلك عندما قامت وعلى رأيه، بـ “بتوليد الحاجات، وعرض حتى المشاعر والأجساد والصلات، في أسواقٍ استهلاكية..”
نعم، هي العولمة، الهيمنة، الاستهلاك، العلاقات الافتراضية.. الحداثة التي لم يمنعه استلابها واستهتارها بتفكير ومشاعر وعلاقات الإنسان، من التعقيب على قول “كليما”: “الحب والموت لهما أوان، ولا يدري المرء متى يأتيان، ومتى تحين ساعتهما.. إنهما يأتيان بغتة، يُبعثان من العدم، ويقتحمان مشاغلنا اليومية”..
