تصاعد حدة التوتر في أوكرانيا، يشير بكل وضوح إلى أن الإدارة الأميركية حسمت خيارها باللجوء إلى إشعال الحرب بأي ثمن، وتحت أي ذريعة كانت، وبايدن نفسه يقود مسار التصعيد عبر ممارسة سياسة الكذب والتضليل المترافقة مع نهج العربدة المستندة على فائض القوة الأميركية الغاشمة، فالرئيس الأميركي سبق وحدد موعدا “للهجوم” الروسي المزعوم على أوكرانيا ليلة السادس عشر من شباط الحالي، إلا أن تنبؤاته المضللة سرعان ما تحولت إلى مثار للسخرية بعد فوات موعد ساعة الصفر التي حددها، واليوم يضرب موعداً جديداً حدده “بأيام قريبة” وزاد على ذلك بأن الهجوم الروسي المزعوم سيطول العاصمة الأوكرانية كييف.
حلف الناتو رفع مستوى تأهب قواته العسكرية، وواشنطن وأتباعها الغربيون دفعوا كييف لتصعيد هجماتها على إقليم دونباس، وعلى إثر ذلك أعلنت سلطات جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين المعلنتين من جانب واحد التعبئة العامة في أراضيهما، وثمة عدة أقاليم روسية أكدت استعدادها لاستضافة اللاجئين، فيما وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً باستدعاء الاحتياط من المواطنين الروس للتدريب العسكري، تحسباً لأي حماقة عسكرية يرتكبها الغرب، والرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حذر من أن التصعيد العسكري الحالي حول منطقة دونباس يهدد باندلاع حرب ستشمل أوروبا بأكملها، وهذا ما يريده بايدن بالفعل، لأنه متيقن بأن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي للدفاع عن أمنها ومواطنيها بحال فرض عليها الغرب خيار الحرب.
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حذرت من أن التطورات الحالية حول أوكرانيا من شأنها تغيير النظام العالمي الحالي، وهي محقة في ذلك، ولكنها أخطأت في تقديرها بأن روسيا ستخسر”مستقبلا مزدهرا” على حد تعبيرها، فهي إلى جانب الرئيس الأميركي تتجاهل بالمطلق الخطر المحدق على الأمن الأوروبي برمته، وبأن أوروبا مخطط لها أميركياً بأن تكون ساحة حرب ومواجهة، وهذه هي ماهية الإستراتيجية العدوانية التي تعمد إدارة بايدن على ترسيخها خلال المرحلة القادمة، لتكون بوابة عبور لفرض سياسة الهيمنة الاستعمارية التي تلهث الولايات المتحدة لإعادة تكريسها على الساحة الدولية بعدما فقدت مكانها القيادي، وباتت محشورة في زاوية المنافسات الخاسرة على صعيد النفوذ العالمي.
سياسة التصعيد الأميركي والغربي لمحاولة استهداف روسيا عبر الخاصرة الأوكرانية قد تخرج في أي لحظة عن سياق الضغط والابتزاز، وهذا التهديد المتدحرج، لم يترك لروسيا سوى خيار المواجهة واتخاذ احتياطات عسكرية مناسبة للرد سريعاً، كذلك فإن المساعي الأميركية والأوروبية لنشر صواريخ أرضية متوسطة وقصيرة المدى على تخوم الحدود الروسية في أوروبا، يجعل من موسكو مضطرة لتعزيز وسائلها الخاصة للتجاوب مع تلك التهديدات الصاروخية، وهذا بطبيعة الحال لن يكون في مصلحة الاستقرار والأمن الدوليين من جهة، وفي مصلحة الأمن الأميركي والأوروبي من جهة ثانية، فإذا كان بإمكان أميركا وأتباعها الأوروبيين البدء بأي حرب محتملة، فبكل تأكيد لن يكون بمقدورهم إنهاؤها لمصلحتهم، وهذا ما يؤكده واقع حال المعادلات الدولية الجديدة، وهي لا تميل لمصلحة أميركا وتحالفها الغربي.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر