بقلم الدكتور مازن سليم خضور:
كنا قد تحدثنا في المقال السابق عن مبدأ العقوبات لا سيما العقوبات الدولية التي من المفترض أن تستخدمها المؤسسات الدولية ضد الأفراد والجماعات والدول لحفظ السلم والأمن العالميين وتحدثنا عن سوء استخدام هذه العقوبات وفرضها خارج مظلة تلك المؤسسات من جهة أو استخدام ازدواجية المعايير من جهة أخرى في تطبيق تلك العقوبات. ازدواجية المعايير لا تنحصر في العقوبات فقط وإنما أيضاً في الوسائل الإعلامية وتغطيتها في الأحداث والمواضيع المختلفة. مفهوم ازدواجية المعايير هو “مفهوم سياسي صيغ بهيئته الحديثة عام 1912، يشير إلى أي مجموعة من المبادئ التي تتضمن أحكاماً مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى”. فما شاهدناه في سورية ما هو إلا دليل كبير على ازدواجية المعايير التي تستخدمها الدول الغربية من خلال معظم وسائل إعلامها وطريقة التعاطي مع الإعلام السوري الذي يبث من الداخل السوري والعقوبات التي فرضت بحقه ومنعه من البث في أقمار معينة ومنعه من ممارسة عمله ضمن بلادهم واستهداف التنظيمات الإرهابية التي تدعمها تلك الدول لمؤسسات الإعلام الوطنية من خلال تفجير المباني (مبنى الإخبارية السورية في دروشا مثال) واستهداف الكوادر الإعلامية والأمثلة كثيرة وعدد الشهداء والجرحى من الإعلاميين تطول والتضييق عليهم وعلى مؤسساتهم وفرض العقوبات وغيرها من الممارسات ما هي إلا دليل على ازدواجية المعايير من قبل تلك الدول الذي يدعي الحرية والديمقراطية. المشهد يتكرر حالياً من خلال ما شاهدناه من الممارسات التي تؤكد المؤكد في استخدام الغرب “الديمقراطي” بحق وسائل الإعلام التي تخالف وجهة نظرها أو حتى بحق الأفراد الذين يخالفون وجهة نظرهم والأمثلة كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر. – منع وكالتي روسيا اليوم وسبوتنيك الروسيتين من البث في أراضي الاتحاد الأوروبي. -(ميتا) فيسبوك أعلن مؤخراً تقييد الوصول إلى حسابات وسائل إعلام روسية مثل وكالة سبوتنيك وقناة روسيا اليوم. – مذيع استرالي يقوم بطرد ضيف على الهواء لأنه يؤيد وجهة النظر الروسية في الحرب. – صحفية بريطانية تسأل وزير الخارجية الروسي عن الحرب كيف ينام وهناك أناس تموت جراء هذه الحرب متناسية أن حكومتها شنت حرباً ظالمة على العراق أدت إلى ملايين الضحايا والجرحى والأرامل وتدمير البنى التحتية لهذا البلد الغني بثروته والأخطر أنهم دخلوا إلى هذا البلد من خلال تحريض إعلامي عن وجود أسلحة محرمة دولياً وهو ما نفاه رئيس وزراء حكومتها السابق طوني بلير. – فيسبوك يسمح بدعوات العنف ضد بوتين والجنود الروس. هذا من جهة ومن جهة ثانية ظهرت في وسائل الإعلام ما سمي (العنصرية الدفينة) من قبل الإعلام الغربي، العنصرية هي “ممارسات تقوم على اضطهاد وتهميش فئات أشخاص ومجموعات لأسباب منها العرق أو اللون أو الدين أو الثقافة وقد تصل هذه الممارسات إلى استخدام العنف والقتل بطرق وحشية” هذه العنصرية شاهدناها من قبل بعض الوسائل والإعلاميين الغربيين في الأحداث الجارية في أوكرانيا وهذه عينة منها: – خلال التغطية لمراسل شبكة CBS الأميركية شارلي داجاتا، يصرح بأن «الهجوم على أوكرانيا لا يمكن مقارنته بالحرب في العراق وأفغانستان لأن الأولى أكثر تحضراً و إن أوكرانيا ليست مكاناً، مثل العراق أو أفغانستان، الذي شهد صراعاً مستعراً لعقود وأن أوكرانيا متحضرة نسبياً، وأوروبية نسبياً، ولابد من اختيار الكلمات بعناية أيضاً. – مراسلة NBC الأميركية كيلي كوبيلا، قالت في تغطية «بصراحة تامة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سورية، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا المجاورة هؤلاء مسيحيون إنهم بيض. إنهم مشابهون جداً للأشخاص الذين يعيشون في بولندا، في تجسيد للعنصرية بصورها الحقيقية. – مراسل BBC البريطانية قال إنّ الأوكرانيين «أناس أوروبيون، بعيون زرقاء وشعر أشقر يقتلون»! – أحد الضيوف قناة BMF الفرنسية قال «إننا في القرن الحادي والعشرين وهناك بلد تنهال عليه الصواريخ كما لو كان العراق أو أفغانستان، هل تتخيلون؟». – قناة «الجزيرة» الناطقة بالإنكليزية، قال مذيعها خلال التغطية المباشرة «ما يلفت النظر إليهم، كيف يرتدون ملابسهم… هؤلاء أناس حضاريون من الطبقة الوسطى، هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا إنهم مثل أي عائلة أوروبية تعيش بجوارها». الجمعية العامة للأمم المتحدة اعتمدت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أشار إلى أن “البشر جميعاً ينتمون إلى نوع واحد وينحدرون من أصل مشترك واحد وهم يولدون متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعاً جزءاً لا يتجزأ من الإنسانية ولجميع الأفراد والجماعات الحق في أن يكونوا مغايرين بعضهم لبعض، وفي أن ينظروا إلى أنفسهم وينظر إليهم الآخرون هذه النظرة، إلا أنه لا يجوز لتنوع أنماط العيش وللحق في مغايرة الآخرين أن يُتخذا في أي ظروف ذريعة للتحيز العنصري أو يبررا قانوناً أو فعلاً أي ممارسات تمييزية من أي نوع، ولا أن يوفرا أساساً لسياسة الفصل العنصري، التي تشكل أشد صور العنصرية تطرفاً وتعزي الفروق بين إنجازات مختلف الشعوب، بكاملها، إلى عوامل جغرافية وتاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. ولا يجوز بأي حال أن تتخذ هذه الفروق ذريعة لأي تصنيف متفاوت المراتب للأمم أو الشعوب.. والسؤال الأهم أين الدول الغريبة ووسائل إعلامها مما ذكر في هذا الإعلان؟.