الثورة – طرطوس: فادية مجد
في عيد من جُعلت الجنة تحت أقدامهن نستذكر قصص الأمهات السوريات وكفاحهن، من كابرن على جراحهن بفقدان ابن أو زوج أو أخ، ومضين في دروب الحياة منتزعات الأشواك، متحديات الصعوبات،
مكافحات ليكن السند للوطن في كل الاوقات، يقمن بدورهن بإرضاع ابنائهن حب الوطن، وزرع القيم العليا، ومسح الجراح، عاملات في البيت والعمل والحقل، مؤسسات لمشاريعن الخاصة، مضحيات ليرسمن الفرحة على وجوه عوائلهن وليساهمن بدورهن في المجتمع بكل السبل الممكنة..
* في يوم عيدهن..
تواصلت ( الثورة ) مع سيدات وأمهات فاضلات لنتعرف من خلالهن على قصص صمودهن واعتمادهن على الذات مايبعث في النفس الفخر والاعتزاز بوجودهن في الحياة.
* أم الكل..
السيدة “سهيلة العجي” أم شهيد وأربعة أولاد، وزوجة ضابط شهيد ولدى تواصلنا معها قالت: رغم كل القهر الذي أصابني، تماسكت وحمدت الله وتابعت رسالتي في الحياة أبني جيل الغد، رغم الحرب والشوق والحرمان، فكنت أم الضابط والمهندس والمحامي والشابة الجامعية التي تعلمت مني كيف تصنع وتغير في حياتها، وسلمتها مفتاح الإرادة والقوة والشجاعة في الحياة، متسلحة بالإيمان وكذبت أغلب مستنسخات الحياة، فلا مستحيل عندي، والمدينة الفاضلة موجودة، وكذبت معنى الموت والحياة، وكتبت للتاريخ ديوانين الأول رسائل إلى ( بنيان ) ابني الضابط الشهيد، والثاني ( رواية يوم ارتقى الشهداء رحلة الذات الى الذات ). وهي مدونة حرب رقم واحد بسورية.
ووجهت السيدة “سهيلة” أم الشهيد بنيان ونوس رسالة في ختام حديثها الى كل الأمهات في عيدهن
قائلة: ( نحن الأمهات من انجبن رجال الوطن، ونحن ضحين بهم، ودفعن الضريبة الأكبر، وكان لابد من أخذ دورنا في تزكية هذه الدماء، والانتصار وصرفها في المكان الصحيح، وهو حماية الوطن وبنائه من جديد بشكل أفضل، وهذا يحتاج الى نهضة فكرية وثقافية وانتفاضة داخلية وصرخة جرح ينزف كي نحقق الانتصار الأكبر وهو التربية والأخلاق ومحبة الانسانية، فقلبك لايتجزأ يتها الام لأنك شريكة الله في الخلق، ومنك ينحدر نسل الخلود، وكل عام وانتن بألف خير.
* عاهدت نفسي..
السيدة “سعاد سعود” أرملة وأم لشهيد ربت أبناءها على القيم والمثل العليا، فكانت مثالاً للمرأة المكافحة الصابرة، الصامدة، رغم ماعانته من مرض، وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة، تقول السيدة سعاد: في عام الألفين أصبت بمرض السرطان، وتم استئصال الثدي الأيمن، وتعالجت بعدها لمدة خمس سنوات، وتماثلت للشفاء والحمد لله، وليتعرض زوجي بعد مدة قصيرة للاصابة بنفس المرض، ولكن في الرئة، ولنعاني سنة كاملة من الوجع والحزن لألم زوجي وشريك عمري ودرب حياتي، ولنفجع بعد ذلك بوفاته، وأبقى وحيدة في هذه الحياة، وكانت الكبيرة بأولادي في حينها في الصف الثالث الثانوي، ولدي بنت ثانية وولدان ، فعاهدت نفسي ألا أحرمهم من شيء وأربيهم على الايمان والفضيلة وحب الوطن، يسكنني إيمان كبير بالله يمنحني العزيمة والصبر، لأعمل ليل نهار، وأقدم لهم كل طلباتهم، وأسهر على راحتهم وأحضهم على الدراسة والعلم، وقد نالت ابنتاي شهادة المعهد، وتزوجن، وتطوع ابني الكبير في الجيش العربي السوري، وكانت الأزمة في ذروتها، وعانيت ماعانيته من خوف عليه، حيث تعرض للحصار لمدة 3 سنوات في مطار كويرس العسكري، ليتم فك حصارهم بفضل جيشنا البطل
اما ابني الشهيد والذي التحق بصفوص الجيش العربي السوري مع رفاقه فقد نال شرف الشهادة في حماة، بعد أن أدى واجبه في الذود عن تراب الوطن ومجابهة أعداء السلام، ونتيجة الحزن لفراق فلذة كبدي دّب المرض من جديد في قلبي، وأجريت عملية قلب مفتوح، وأعيش منذ ذلك الحين على البطارية، وختمت السيدة سعاد: رسالتي مازالت مستمرة، أرعى ابنائي وأحفادي، وفرحتي الكبرى عندما أرى أحفادي الأربعة يمرحون، داعية الجميع للصبر لأنه مفتاح الفرج وإن شاء الله تعود أيامنا الخوالي ويشفى وطننا من كل الجراح.
* حكاية كفاح..
السيدة “بصيطة ديوب” وحكاية عطاء وتفان بدأت من ماكينة الخياطة تقول عن ذلك: ورثت حب الخياطة وشغل الصوف عن والدتي، وبعد زواجي ومنذ ٤٥ سنة وأنا أخيط ثياباً لأولادي وزوجي وأيضا لجيراني بالأجرة، إيماناً مني بأن الحياة الزوجية هي مشاركة وتعاون متبادل، وأن العمل جوهر الانسان، بعد أن فقد زوجي عمله، وسرح تعسفياً وظلماً من معمل اسمنت طرطوس بعد أن كان يعمل كعامل كهرباء، مبينة أنها خلال مسيرة حياتيها كانت تدعم زوجها معنوياً وتعمل بكل ماأوتيت من قوة من أجل راحة عائلتها وأولادها الأربعة.
صناعة اطباق القش..
السيدة بصيطة قالت: استشهد ولدي ( نائل ) خلال تأديته واجبه الوطني في الدفاع عن الوطن وفي نفس يوم استشهاده قبل أن نعرف بالخبر، شعر والده بأن مكروهاَ أصاب ( نائل )، وأصيب بجلطة دماغية، لنعلم لاحقاً أن ولدنا قد نال شرف الشهادة، لأكمل والحزن يملأ قلبي لفقدان فلذة كبدي مسيرة العطاء وعلاج زوجي الطويل الى أن تعافى مع تأمين وشراء الأدوية له والتي لايستطيع الاستغناء عنها، مكابرة، داعمة، قوتي استمدها من إيماني بالله، واستمراري بالعمل، أعلِّم دورات خياطة للفتيات والسيدات، إضافة لتعليمهن صناعة أطباق القش والخيزران، وإعادة التدوير وتزيين القطع المنزلية، لأصرف على عائلتي وأبناء ابني الشهيد، وأبناء ابنتي التي استشهد زوجها أيضا، وتسكن معنا، يساعدني في المصاريف ابني الذي يعمل في مصلحة الدهان، وختمت ديوب حديثها بتوجيه نصيحة لكل سيدة بألا تيأس مهما واجهت من أزمات في الحياة، وتعتمد على نفسها وتؤدي رسالتها في الحياة في التربية الصالحة لابنائها، وإيجاد عمل شريف يساعدها ولو كان بالزراعة وبالخياطة، المهم العمل والاعتماد على الذات والمساهمة في حياة كريمة.
* مشروعها الخاص..
السيدة “ساميا اسماعيل خضر” ورحلة كفاحها وتأسيسها لمشروعها الخاص منذ خمس وعشرين عاما.. عن تلك المسيرة الزاخرة بالنجاح تقول: رغبة مني بمساعدة زوجي العسكري والذي كان يعاني من المرض، ولدي ابنتان وصبي كانوا صغاراً وقتها، وإيماني بقدسية العمل وأن الحياة هي رحلة تشاركية بين الرجل والمرأة اتخذت قراري منذ ٢٥ سنة بإنشاء مشروع يساعدنا مادياً، والذي بدأته بصناعة الفطائر والمعجنات، والحمد لله حققت مردوداً مادياً جيداً، أعاننا في حياتنا الصعبة، لأطور فيما بعد مشروعي الى العمل على تنور وفرن الغاز، وصناعة الحلويات والمخللات ومشتقات الالبان، حيث كنت أعمل منذ ساعات الصباح الباكر، أوفر حاجة منزلي من كد تعبي، إضافة لتجهيز الطلبيات التي تطلب مني، وقد حققت اسماً والحمد لله في عالم المونة، وأصبح لدّي زبائن كثر ، يثقون بنظافة عملي واتقانه.
وتضيف السيدة “خضر”: لم أوقف مسيرة نجاحي عند ذلك، واكتفي بتجهيز المونة فقط، بل انتسبت إلى الاتحاد النسائي في طرطوس منذ سنوات طويلة قبل حله، إيماناً مني بأهمية اكتساب كل جديد وتعلمه، حيث تعلمت مهنة الخيزران، لأنفذ فيما بعد أعمالاً كثيرة منها ( كاسات ، صواني ، زبادي )، ثم انتسبت إلى جمعية التواصل الاجتماعي، ومن ثم اتحاد الحرفيين، ووقعت عقود عمل خارجية في مجال تصنيع المونة، وشاركت بعدة معارض وكرمت من عدة جهات رسمية وأهلية.
وختمت السيدة “خضر” كلامها : تعبي يذهب عندما أرى عائلتي سعيدة وناجحة في حياتها، وأتلقى كلمات الشكر والرضا عن عملي، ونصيحتي لكل سيدة ألا يقتصر دورها على تربية الاولاد وأمور المنزل، بل أن تعمل لتحسين مصادر دخل أسرتها من خلال تأسيس مشروعها الخاص، فالحياة رحلة كفاح طويلة، ونساء سورية كن وسيبقين السباقات في العمل المتفاني والمبدع والاعتماد على الذات.