المسرح في سورية… صور من الماضي والحاضر

الملحق الثقافي- جوان جان:

بين العمل المسرحي في صيغتيه (النص والعرض) ثمة مسافة تُقطَع، يقطعها كاتب مسرحيّ، سلاحه قلم متدفق وفكر متألق، يبدأ مشروعه بعبارة «المشهد الأول» وقد لا ينتهي في يوم ختام العرض المسرحي مع آخر موجة تصفيق من مُشاهد تلقى العمل بكافة عناصره وأدواته من نص وأداء وعناصر عرض بصرية وسمعية، ورؤية إخراجية عميقة، أو هكذا يُفترَض أن تكون .
وضمن هذا السياق من ثنائية العمل على النص والعرض شهدت المسارح السورية في السنوات الأخيرة نماذج مضيئة شكلت نقاط علام في مسيرة مسرحنا، منها ما ارتبط بمناسبة محددة كاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية في العام 2008 حيث قدم المعهد العالي للفنون المسرحية حينها تجربة أتت تتويجاً لما سمي «ورشة الشارع للكتابة المسرحية الجديدة» وتضمنت التجربة قراءة عدد من المشاهد المسرحية التي كتبها المتدربون وكلّهم من خريجي قسم الدراسات في المعهد ومن طلابه، وقد تميّزت هذه القراءات بعدة نواح، منها أنها استطاعت أن تلامس قضايا اجتماعية حارّة ومؤرقة ربما لم يسبق أن تم التطرق لبعضها بشكل واسع وكما ينبغي، وهذه ناحية غاية في الإيجابية، إذ إن الكثير من الكتابات المسرحية الحديثة تنحو باتجاه الترميز أو التأثر بمدارس مسرحية متحفية لا يمكن أن تلقى صدى إيجابياً عند جمهورنا، في الوقت الذي انفضّ فيه من بقي يكتب للمسرح عن طرح المواضيع الاجتماعية الحساسة، مستعيضاً عن ذلك بطروحات بعيدة عنا شكلاً ومضموناً.. وتميزت القراءات هذه أيضاً بعدم وقوعها في مطب السرد الحيادي، فقد كان لإلقاء الممثلين المعبّر الأثر الأبرز في الانطباع الإيجابي الذي تركته التجربة عند الجمهور إلى درجة أن بعض الممثلين اندمج في تجسيده للشخصيات حتى وصل بهم الأمر إلى البكاء، بينما استغرق آخرون في أداء زملائهم ونسوا أدوارهم في القراءة ما دفع الجمهور إلى التصفيق تقديراً منه لهذه الحساسية العالية من الأداء للنصوص الشابة.. والواقع أن قضية النص المسرحي السوري شغلت المسرحيين السوريين على مدى سنوات طويلة من حيث الدراسة والبحث والتقييم ورصد ردود أفعال جمهور المسرح على هذا النص بمختلف توجهاته الفكرية ورؤاه الفنية، وقد كان للنص المسرحي السوري حضوره اللافت في المنعطفات التاريخية والمفصلية التي مرت بها سورية، ولا بدّ أن المتابع لحركة تطور النص المسرحي السوري يذكر الدور الذي قام به هذا النص في فترة الاستعمار الفرنسي عندما تحول الكتّاب المسرحيون السوريون في تلك المرحلة إلى كتّاب مقاومين من خلال مجموعة من النصوص المسرحية التي انتقدوا من خلالها الاستعمار عبر العودة بمضامين هذه النصوص إلى فترات غابرة من التاريخ العربي، مستحضرين الشخصيات التاريخية ذات البعد البطولي بهدف شحذ عزيمة الشباب الثائرين في وجه الاستعمار، لتلي ذلك مرحلة بثّ الوعي الاجتماعي وهي المرحلة التي امتازت بها نصوص الخمسينيات والستينيات، لتأتي صدمة هزيمة العام 1967 وليتحول بعدها الكتّاب المسرحيون السوريون إلى كتّاب ناقدين للهزيمة ومسلطين الضوء على أسبابها وصولاً إلى حرب تشرين عام 1973 التي رصدها المسرح السوري عبر مجموعة من الأعمال وإن كانت قليلة فإن أثرها كان واضحاً وبالتحديد في العامين 1974 و1975 .
اليوم يبدو النص المسرحي السوري مأخوذاً بالاهتمام بتفاصيل ونتائج عشر سنوات من الحرب على سورية، ويمكن القول :إن المسرح السوري، والنص المسرحي السوري تحديداً تعامل بثلاثة أساليب مع الواقع في السنوات الأخيرة، إذ فضّلت أعمال أن تتناول موضوعة الحرب وتأثيراتها ومفاعيلها بشكل مباشر، وقد حاولت هذه الأعمال أن تحيط بموضوعة الحرب من كلّ جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والمعنوية، لكن بعضها وقع في مطب المباشرة والخطاب الشعاراتي، أو أنه قدم رؤى ناقصة وغير مكتملة، وبالتالي غير قادرة على تقديم رؤية واقعية وموضوعية لما جرى على أرض الواقع، بينما راح كتّاب مسرحيون آخرون باتجاه تجسيد الحالة السورية بأسلوب غير مباشر عن طريق الترميز والإسقاط، وهي طرق قديمة استخدمها المسرحيون السوريون منذ سنوات طويلة تمتد لمرحلة النص المسرحي الذي كتبه رائد المسرح السوري أبو خليل القباني، وهذا الأسلوب يتيح للمسرحيين أن يعبّروا عن رؤاهم ووجهات نظرهم بإحساس أكبر بالارتياح، وخاصة عندما تطل موضوعة الحرب في هذه الأعمال بشكل شفاف وكخلفية للحدث الاجتماعي لا كمحرك له كما في مسرحية «تماس» للمخرج محمد سمير طحان والتي قدّمها المسرح التجريبي قبل أيام، وأما الفئة الثالثة فقد آثرت الابتعاد تماماً عن موضوعة الحرب إيماناً منها بأن المسرح ينبغي أن يظل بعيداً ومتسامياً ومتجنباً طرح مواضيع المعاناة متعددة الأشكال .
في السنوات العشر ظهرت عدة محاولات مسرحية على صعيد النص المسرحي لمقاربة موضوعة الحرب على سورية لكن معظمها وقع في تناقضات فكرية عميقة أبرزها تصوير الصراع على أساس أنه صراع بين وجهتَي نظر تمتلك كلّ منهما مبرراتها وأسباب وجودها، كما وقع بعض كتّاب النصوص في إشكالية اتخاذهم مواقف حيادية في أعمالهم وتعاملهم مع الشخصيات التي تمثل أطراف الصراع المفترض بشكل متساوٍ متجاهلين أن المسألة أعمق بكثير من كونها صراعاً ساذجاً بين طرفين.. وقد وصل الأمر ببعض النصوص إلى التركيز على طرف ثالث اعتبروه ضحية لنزاع بين طرفين يتحملان مسؤولية مشتركة .
إن معظم العروض المسرحية التي تألقت في السنوات الأخيرة اعتمدت على نصوص لكتّاب سوريين ينتمون إلى مختلف أجيال الكتابة المسرحية، لكن المشكلة تكمن في أن النصوص المسرحية التي ظهرت في السبعينيات قد تم تسليط الضوء عليها بشكل واسع ووضعها في مختبرات النقد والتحليل والدراسة خلافاً لما هو عليه الأمر الآن، إذ تضيع معظم الأعمال المسرحية في زحمة الدفق الإعلامي متعدد الوسائل والذي لا يدع مجالاً لأي عمل إبداعي لأن يأخذ حقه من الرصد والمتابعة .
ومع كلّ مناسبة أو فعّالية مسرحية تعود معضلة النص المسرحي المحلي لتطل برأسها، مجددة الحوار حول واقع النص المسرحي في سورية ومستقبله .
ولا يبدو النص المسرحي السوري اليوم منعزلاً عن المشاغل العامة للناس وهواجسهم، وهو وإن حاول الابتعاد عن هذه الهواجس والمشاغل باتجاه قضايا إنسانية أكثر شمولاً وأوسع أفقاً إلا أنه سرعان ما يعود إلى واقع الإنسان السوري ليرصد مآلاته وتفاصيل أيامه .
وفي محاولة من كتّاب مسرحنا الشباب لجسر الهوة بينهم وبين الفعالية المسرحية انخرطوا في مختبرات مسرحية مع الفرق والتجمعات التي ترغب بتجديد أساليب تواصلها مع الجمهور فأصبح الكاتب المسرحي أكثر انخراطاً في اللعبة المسرحية بعد أن كان شبه منعزل عنها، وهذه العزلة دفعت الكثيرين من مخرجينا إلى الانفضاض عن النص المسرحي المحلي الذي رأوا فيه مادة للقراءة أكثر من كونه مادة للتجسيد على خشبة المسرح .
وتُعتَبَر المسابقات والجوائز عاملاً حاسماً وفعالاً في تشجيع الكتابة المسرحية عند الكتّاب الشباب والهواة، ومن أجل ذلك أطلقت مديرية المسارح والموسيقا في العام الماضي مسابقة النص المسرحي السوري الشاب، كما أن إحياء المهرجانات المسرحية الشبابية كمهرجانات الجامعة والشبيبة والعمال من شأنه الدفع بعملية الكتابة المسرحية، خاصة وأن معظم المخرجين المشاركين في هذه المهرجانات يفضلون النصوص المسرحية المحلية.
على المسرح اليوم أن يكون قادراً على المساهمة في الارتقاء بالذائقة العامة التي تضررت كثيراً نتيجة الظروف التي مرّ بها الوطن، كما أن عليه أن يلعب دوراً تنويرياً وسط أمواج الجهل التي تضرب في كلّ مكان .

التاريخ: الثلاثاء22-3-2022

رقم العدد :1088

آخر الأخبار
New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق The national interest: بعد سقوط الأسد.. إعادة نظر بالعقوبات على سوريا بلدية "ضاحية 8 آذار" تستمع لمطالب المواطنين "صحافة بلا قيود".. ندوة لإعداد صحفي المستقبل "الغارديان": بعد رحيل الديكتاتور.. السوريون المنفيون يأملون بمستقبل واعد باحث اقتصادي لـ"الثورة": إلغاء الجمرك ينشط حركة التجارة مساعدات إغاثية لأهالي دمشق من الهلال التركي.. السفير كوراوغلو: سندعم جارتنا سوريا خطوات في "العربية لصناعة الإسمنت" بحلب للعمل بكامل طاقته الإنتاجية الشرع والشيباني يستقبلان في قصر الشعب بدمشق وزير الخارجية البحريني عقاري حلب يباشر تقديم خدماته   ويشغل ١٢ صرافا آلياً في المدينة مسافرون من مطار دمشق الدولي لـ"الثورة": المعاملة جيدة والإجراءات ميسرة تحسن في الخدمات بحي الورود بدمشق.. و"النظافة" تكثف عمليات الترحيل الراضي للثورة: جاهزية فنية ولوجستية كاملة في مطار دمشق الدولي مدير أعلاف القنيطرة لـ"الثورة": دورة علفية إسعافية بمقنن مدعوم التكاتف للنهوض بالوطن.. في بيان لأبناء دير الزور بجديدة عرطوز وغرفة العمليات تثمِّن المبادرة مباركة الدكتور محمد راتب النابلسي والوفد المرافق له للقائد أحمد الشرع بمناسبة انتصار الثورة السورية معتقل محرر من سجون النظام البائد لـ"الثورة": متطوعو الهلال الأحمر في درعا قدموا لي كل الرعاية الصحية وفد من "إدارة العمليات" يلتقي وجهاء مدينة الشيخ مسكين بدرعا