الملحق الثقافي – وفاء يونس:
ثمة أعمال أدبية لايمكن أن تموت، وتبقى إرثاً خالداً ليس للشعب الذي أبدعها، أو لمؤلفها وحده، إنما تغدو مع الزمن أيقونات يحتفي بها العالم، ولكن أيضاً يمكن القول إنه قد تمر فترة من الزمن دون أن تكون قد حققت وجودها لكنها بعد فترة تظهر بهيئة جديدة حين يكتشفها النقاد ويتناولها الباحثون، ومن هذه الأعمال رواية عوليس التي يحتفي العالم بمرور مئة عام على صدورها، وهي رواية للكاتب الأيرلندي جيمس جويس، نشرت للمرة الأولى على حلقات في جريدة «ذا ليتل ريفيو») الأميركية بين شهري مارس 1918 وديسمبر 1920، ثم نشرته سيلفيا بيتش في باريس في كتاب صدر في 2 شباط 1922. تعد من أبرز الأعمال في الأدب الحداثي حتى إنها اعتبرت «نموذجاً وإجمالاً للحركة بأكملها».تسجل الرواية خط سير ليوبولد بلوم داخل مدينة دبلن خلال يوم عادي هو 16حزيران 1904 (وهو تاريخ اللقاء الأول بين جويس وزوجته فيما بعد ـ نورا بارناكل
عدد كلماتها رواية «عوليس» نحو 265 ألف كلمة، ويستخدم جويس فيها قاموساً يصل إلى 30 ألف مفردة (تشمل أسماء الأعلام وصيغ الجمع ومختلف تصريفات الأفعال)، وتنقسم إلى 18 حلقة. ومنذ نشرت الرواية دار حولها الكثير من الجدل والانتقادات، عرف بحروب جويس: وما يجعل الرواية ذات قيمة عالية في تاريخ الأدب الحداثي استخدامها تقنية تيار الوعي، وبنيتها المحكمة، وثراؤها في تجسيد الشخصيات وحس الفكاهة. وقد تصدرت الرواية سنة 1998 قائمة أفضل 100 رواية باللغة الإنجليزية في القرن العشرين.
تعتبر عوليس أهم روايات الأدب الأيرلندى الحديث، كما أنها صارت ملمحًا لهوية أيرلندا الثقافية عالميًا، حتى إنه يوجد فى دبلن مسار عوليس، إذ يمكن للمعجبين بالرواية تتبع خطوات بطلها «بلوم» فى جميع أنحاء المدينة، رغم ما تتمتع به من سمعة مخيفة فيما يتعلق بصعوبة قراءتها. لقد جعل جويس من عوليس رواية تحتفى بحياة رجل عادي، يهودي ومسالم، لكن لا يستطيع قراءتها سوى القليل من الأشخاص العاديين، حسب قول الناقد البريطاني جون كاري.
بلوم بطل عوليس هو أوديسيوس المعاصر الذى يُبحرُ في دبلن بدلاً من البحر الأبيض المتوسط. ستيفن نسخة من تلماخيوس، ابن أوديسيوس، بينما مولى هى زوجة أوديسيوس، بينيلوب الوفية. يضم كل فصل من عوليس لمحة تشابه مع فصول الأوديسة.
تتبع الفصول الثلاثة الأولى ستيفن ديدالوس، الأنا الخيالية البديلة لجويس، الذى ظهر فى روايته «صورة الفنان في شبابه» (1916). لكن معظم الفصول الثمانية عشر تضع القارئ داخل رأس ليوبولد بلوم، بائع الإعلانات.
رُفضَت مخطوطة الرواية كاملة فيما بعد من قِبَل بيليكان برِس، أول ناشر عُرِضَت عليه؛ ثم رفضتها أوفيد برِس، متعللة بأن تكلفة نشرها ستكون باهظة. فى ظل ضائقة مالية ويأس متزايد، لاحتمال أن الكتاب الذى أمضى العقد السابق من حياته في كتابته غير قابل للنشر، قَبِلَ جويس عرضًا من سيلفيا بيتش، صاحبة المكتبة الباريسية شكسبير آند كومباني، لطباعة كتابه بشكلٍ حصري، طبعة «فاخرة» من 1000 نسخة، تباع مقابل 350 فرنكًا للقطعة الواحدة (ما يعادل نحو 234 دولارًا اليوم).
واحدة من أشهر الحكايات المرتبطة بعوليس، والتي حدثت في يوم إطلاقها، حين أراد جويس الاحتفال بوصول الكتاب فدعا بيتش للخروج. وبينما كانا يغادران مسكنه، أشار جويس إلى ابن البواب الصغير، الذى كان يسلي نفسه على الدرج الأمامي للمبنى، قائلًا: «سيصير هذا الصبي قارئًا لعوليس ذات يوم».
التاريخ: الثلاثاء22-3-2022
رقم العدد :1088