وجدت واشنطن فرصة ذهبية في حرب أوكرانيا لتستثمرها في توريط الأوروبيين كي يتحالفوا معها للإخلال بأمن طاقتهم، وفعلاً شنّت دول ناتو حرباً اقتصادية تهدف إلى انهيار الاقتصاد الروسي والروبل، فجاء الرد الروسي (تاريخياً) كما تصوره موسكو وبخطوة غير مسبوقة من خلال تحويلها مدفوعات إمدادات الغاز نحو أوروبا إلى عملة الروبل..
بداية نيسان هو الموعد الروسي لتطبيق هذا الإجراء ويشمل مستهلكي الغاز الروسي من الدول التي تصنفها موسكو (غير صديقة) وهي الدول التي سلكت مسار العقوبات على روسيا، وتشمل حوالي خمسين دولة بما فيها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية وأوكرانيا ودول أخرى..
وحتى الآن لا يصدر من حكومات الدول المشمولة بالإجراء الروسي سوى الرفض لهذه الخطوة، وتوجّهُ شركاتها بأن ترفض تسديد ثمن الغاز الروسي بالروبل..، فماذا سيحدث..؟
المحاججة بالعقود
من غير الواضح حتى الآن مدى تشدد الحكومات الغربية على شركاتها المستهلكة للغاز الروسي وإمكانية أن توصيها بعدم التسديد بالروبل أو تمنعها من التسديد بالروبل..، فبصيغة التوصية أو التمني ستجد الشركات ذاتها مرغمة على التعامل بالروبل لتنفيذ أعمالها، وفي الصيغة الثانية ستجد الشركات نفسها أمام خيار توقيف أعمالها أو التخفيف الكبير في أعمالها..، وهنا تتوسع دائرة التأثيرات على كامل الاقتصاد الأوروبي والعالمي وارتفاع كبير للأسعار في أوروبا قبل غيرها وتضخم كبير في عملاتها..
وعلى الصفيح الساخن لهذا الإجراء الروسي تبرز المحاججة الأوروبية بالعقود المبرمة سابقا مع روسيا والتي تحدد مدفوعات الغاز الروسي باليورو غالبا ونسبيا بالدولار..، وأنّ الحكومات الغربية ملتزمة بنصوص العقود..، بينما روسيا التي سلبتها الحكومات الغربية بإجراءات عقابية أصولا تبلغ (مئات المليارات من الدولار) وفرض عليها حظر أخلّ بموجبه الغرب بآلاف العقود لشتى قطاعات الاقتصاد يراد منها فقط الالتزام بحرفية عقود الطاقة، ويراد منها الاستسلام في حرب اقتصادية هدفها الأوّل انهيار الروبل..!
وبهذه المحاججة يثبت الغرب ازدواجيته غير الأخلاقية في مجالات الاقتصاد فأمام مصلحته يطلب الالتزام بالعقود، بينما كل إخلالاته بالعقود والمعاهدات والاتفاقات تصبح (إجراء يقوم به بوصفه العالم الحر لحماية الديمقراطية والسلام العالمي) ويضيف إلى ذلك في حربه الاقتصادية ضد روسيا (حماية حرية أوروبا)!
سيادة الروبل
حتّى تتوضح خطوات التعامل الأوروبي مع الإجراء الروسي، وهل ستقبل مرغمة على التسديد بالروبل أو تقبل بأن تتوقف صناعات كثيرة وتتضرر قطاعات اقتصادية بسبب تعنتها، فإنّ التصميم الروسي واضح، وكما ورد على لسان موسكو: (لن نقدّم الغاز مجانا إذا رفضت أوروبا الدفع بالروبل)، وهذا يعني على أوروبا تحضير نفسها لتوقف إمدادات الغاز الروسي إليها، مقابل تنظير واشنطن عليها بأولويات العالم الحر.
بقلم: ظافر أحمد أحمد – إعلامي