شئنا أم أبينا نحن نعيش ضمن نظام اجتماعي وثقافي وسياسي، يميز كل مجتمع عن الآخر تتقاطع القيم والسياقات القيمية والمعرفية التي تحدد لكل مجتمع نمطه وتطوره، ومن المعروف أننا هنا في هذا الشرق مجتمعات عرفت التعاون والمحبة والألفة والقدرة على أن تكون متعاضدة حين الشدائد، ولكن الذي حدث أن لوثة الأنانية التي اجتاحتنا جعلت قسماً كبيراً منا يغرد خارج سرب القيم، ظناً منه أنه متفرد بما يقوم به، وهنا لا نتحدث عن إبداع إنما حالات النشوز والتوجه نحو التملك الذي لايقف عند حد، ولاسيما أولئك الذين يكدسون المليارات من خلال ما يظنونه عبقرية في العمل، وهو في الكثير من الأحيان ليس إلا ..
يظنون أنهم قد حققوا الثراء الذي يعطيهم القيمة، وهنا الوهم القاتل الذي يجب أن يعترف به هؤلاء، فهم لم يحققوا القيمة الحقيقية لهم ولذواتهم، فقط هي الثروات التي تكدس ولاشيء غير المال، وحين يزول يذهب معه كل شيء.
عليك دائماً أن تكون في سياق مجتمعك الفكري والقيمي وحين تكون خارجه لن تجد من يقف عندك أو جانبك مهما كنت عبقرياً، وفي هذا المعنى ثمة تجربة حدثت لعازف موسيقي عالمي مشهور، تقول الحكاية:
(إنه وقف بمكان ما و استمر في العزف حوالي 45 دقيقة لمقطوعات موسيقية وهمية لمشاهير ..
في هذه الفترة تقريباً مر أمامه أكتر من ألف شخص متوجهين لركوب المترو عادي جداً ..
خلال الـ 45 دقيقة من العزف.. 7 أشخاص فقط وقفوا استمعوا للحظات..وغادروا..
و بعضهم أعطوه نقود لعزفه …
في النهاية، جمع (32 دولاراً) خلال 45 دقيقة !!
وكانت المفاجأة ..
إن هذا العازف هو (جوشا بيل) واحد من أعظم الموسيقيين في العالم.. والكمان الذي يعزف عليه ثمنه 3,5 مليون دولار
قبل هذا الموقف بأيام فقط…
كان لـ (جوشا) حفلة في بوستن ..والتذاكر بيعت بالكامل وكان سعر التذكرة ( 110 دولار )!
هذه التجربة الاجتماعية المهمة تحمل الكثير من الدلالات التي تسقط من عالم الابداع حتى تصل إلى عالم المال، ببساطة: نحن لسنا مجتمعاً يؤمن بالثراءالفاحش، ولا يأبه لمن يكدس المال، ويظن أنه بما يفعل ينال الحظوة والمكانة التي يبحث عنها، ضع نفسك حيث يجب أن تكون في منظومة مجتمعك، لا تسع لمكانة لايعترف بها، قد يجاملك قليلاً ولكنه يسخر منك، وهو احترام زائف لايصمد بمرورالزمن، اعرف قدر نفسك في سياق مجتمعك القيمي .
معاً على الطريق- ديب علي حسن