الثورة – هفاف ميهوب:
كثرٌ من كتّاب وأدباء العالم، أشاروا إلى مامنحتهم إياه العزلة والوحدة من إلهامٍ، دفعهم لتقديم أعظم الأعمال.. من هؤلاء الكتاب “كارلوس ليسكانو”.. أحد أبرز أدباء الأورغواي المعاصرين، والذي اعترف بأن الوحدة شرط وجودٍه ككاتبٍ يرى، بأن “من الضروري أن يتأمّل الكاتب نفسه ويهدمها، كي يبدأ من جديد، دون أن يقدّم أيّ شيء على وعيه وحريّته الشخصية”.
رأى ذلك واعترف به، في كتابه “الكاتب والآخر”.. الكتاب الذي دلّ فيه على كيفية قيام الكاتب بهدم نفسه، ومن ثم إعادة بنائها.. أي ابتكار شخص آخر منه، يسير عكس اتّجاه الحياة، ويصوغ أهدافه غير مكتفٍ بالإبداع الذي اعتبره: “ولادة، عملية انفصال موجعة، تسمح برؤية الذات من زاويةٍ أخرى”..
لاشكّ أنه ابتكار شاق، لأنه يتطلّب وعياً حاداً بالذات، وهو الأمر الذي كان يعني هذا الكاتب، وكان يعنيه أيضاً: “أن تعرف ماذا عليك أن تصنع بحياتك، فالحياة لاتُصنع حين تفكّر بها، بل حين تحياها”…
يحيا أدباء عالمنا المعاصر هذه الحياة، ولكن هل يعيشونها بشغفٍ والتزامٍ وهدفٍ واعي ويعي، بأن من يدخل أرض الأدب، عليه ألا يتبع إلا الدروب التي تضيء النهايات، لاتلك التي لاتفضي إلا إلى دهاليزٍ تتوه ذاته فيها، وأن عليه محاورة الآخر فيه، بكلماتٍ يبتكرُ بها إنسانه الذي لا يقدّم أي شيء على وعيه، ولايكتفي بإبداعٍ لايجدّد ويتجدّد، مع جاذبية مضمونها وبلاغة معانيها؟..
الأديب الذي يعي ذلك، هو من يهتدي إلى كلماته، بالعطر الذي تعتّقه ذاكرته.. مكمن الإلهام والابتكار الذي لايحصل دفعة واحدة، ولاينتهي أبداً، والذي ينصت إلى صوت الآخر فيه، فيكون مخلصاً في محاورته، وفي إبداع دهشته..
إنها عودة الكاتب إلى كينونته وذاته، يتأملهما ويعرف نفسه من خلالهما، وحتى إن تظاهر بأنه ليس فيهما، فإنه يدرك عبر محاورته لآخره، بأنه ليس ثمّة اثنان، بل واحد هو في الحقيقة، الكاتب والإنسان..