“ورق عتيق”.. مقهى تتجدد فيه ثقافة الأمكنة والناس

الثورة – ميسون حداد:

“ورق عتيق” مكان يدركك فيه هدير موج البحر ولا تدركه، فيه تحلو الفسحة، فسحةٌ من نوع آخر، زورقها يمخر عباب الثقافة والفكر والفن، تلجه فتختلط عليك أجواء المقهى الممزوجة بدفء المنازل، وتطالعك وجوه غريبة مألوفة، تقدم لك الحب بابتسامة ونظرة.
“ورق عتيق” جديد من نوعه، نسيجه كسجادة صوف يدوية على جدران الحداثة، فيها من البساطة والفن والدفء ما يضفي على غربة الحداثة شيء من أصالة مفقودة.

“ورق عتيق” مقهى ثقافي في مدينة اللاذقية، تجد فيه فسحة للقراءة من خلال مكتبة كتب كبيرة وأجواء خاصة لمحبي المطالعة، إضافة لأمسيات غنائية تراثية، يقدم شيئاً من مأكولات بيتية ومشروبات ساخنة، وموظفوه من أصحاب متلازمة “داون”..

“الثورة” التقت السيدة لينا ضاهر صاحبة المشروع، وكان لنا معها اللقاء التالي:

*- كيف انطلقت فكرة المشروع؟
تبقى المعاناة التي نعيشها هي مصدر الإلهام لإطلاق الأفكار، الأشخاص الذين يحبون الأجواء الثقافية وقراءة الكتب، لا يجدون دائماً الجو المناسب والمشجّع لأن البيئة العامة لا تساعد على توفير الجو المريح للقراءة، ومن هنا انطلقت فكرة مقهى ثقافي يجد فيه محبو الثقافة بكافة أشكالها الجو المناسب.
الفكرة الثانية في المشروع هي خطوة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع، لنقول للجميع أنهم مختلفون لا متخلّفون، إضافة لمحاولة تأمين مصدر دخل مادي لهم.

(التركيز على الثقافة بكافة أوجهها ستساعد على تجاوز مخلفات الأزمة المجتمعية، وأؤمن أن من يقرأ قادر على أن يلج إلى عوالم مختلفة ويفتح آفاق بعيدة المدى)

 

*- لماذا الإصرار على الثقافة في مجتمع إيقاعه يشبه الوجبات السريعة؟
– برأيي أن المشكلة في سورية والتي بدأت منها الأزمة هي مشكلة ثقافة وفكر، والفكرة لا تموت، لذلك زراعة الأفكار الجديدة من خلال التركيز على الثقافة بكافة أوجهها والتي تبني المجتمع هي من سيساعد على تجاوز مخلفات الأزمة المجتمعية.
مجتمعنا اليوم يشبه الوجبات السريعة في إيقاعاته المختلفة، وهذا انعكس على مختلف جوانب الحياة، الناس اليوم أولاد المجتمع الاستهلاكي، متعبون من السعي الدائم وراء أدق التفاصيل، لم تعد إمكانية الحلم بالنسبة إليهم بسيطة، حتى إمكانية التفكير أو الوقفة مع الذات، والتأمل، لذلك أردت أن نخلق فسحة يكون متاحاً فيها أن نحلم من جديد، أن نتذوق الفن، الذائقة الفنية اليوم بشكل عام بعيدة عن الذوق الرفيع، لا تحرك الروح، الفن والثقافة لغة عالمية مشتركة، الموسيقا والرسم والثقافة لغة مشتركة تجمعنا.
المكان يُشكل أيضاً مساحة آمنة لمن يرغب بإرسال أولاده للدراسة في جو يسوده الهدوء بعيداً عن تدخين الأراكيل وإغواء المخدرات وغيرها

*- في مجتمعنا اليوم.. هل تؤمنين بأنّ هناك من يقرأ؟
بالتأكيد هناك من يقرأ وهذا إيماني، وحتى الظروف الصعبة التي رافقت الأزمة جعلت الكثيرين يعودون للكتاب والثقافة، لعدة أسباب، منها أن الترفيه اليوم بات مكلفاً جداً في ظل الغلاء، الرحلات، المطاعم، المقاهي، لم تعد في متناول الجميع، الإمكانيات المادية ضعيفة.
عندما فكرت بالمشروع، كانت الفئة المستهدفة بالنسبة لي فئة نوعية أعمارهم جاوزت الأربعين، يبحثون عن فسحة ما يتذوقون فيها رقي الفن والأفكار، مكان يمكن أن يتم فيه تبادل الأحاديث النوعية بمقاييس معينة. وأنا أؤمن أن من يقرأ قادر أن يلج إلى عوالم مختلفة ويفتح آفاق بعيدة المدى.
وما فاجأني منذ افتتاح المشروع، إقبال جيل الشباب، على القراءة وحب المعرفة، ومع توفر المعلومة عبر التكنولوجيا الحديثة، فاجأني شغفهم بالمكتبة الورقية، والتي يتوفر فيها كتب لكافة الأعمار، من اليافعين الصغار إلى جيل الشباب إلى الكتب التي تهم القارئ النوعي.

(أصحاب متلازمة “دوان” أصبح لهم في السوق ماركة خاصة لمنتجاتهم تدعى “سند” وفي “ورق عتيق” أقوم بتصريف هذه المنتجات والريع الكامل يعود لصالح الجمعية وأتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تدعم الجمعيات التي تهتم بهم)

 

*- ذوي الاحتياجات الخاصة.. لماذا اتجهت إليهم وماذا يُقدم لهم المشروع؟
عملت سابقاً مع ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال جمعية “إيمان ونور” وعملت في جمعية تهتم بحالات التوحد ومتلازمة “داون” وخلال هذه المسيرة معهم اكتشفت أنهم “قادرون” ويستطيعون أن يكونوا مبدعين إذا عرفنا كيف نتعامل معهم بالطريقة المناسبة. نحن عامة لا نجيد التعامل معهم في أفضل الحالات، وفي أسوأ الحالات للأسف يتعرضون للتنمر.
وكنا في الجمعية ندربهم على عدة صناعات منها صناعة الصابون والمنتجات المنزلية، والمونة، ونحاول تصريف المواد من خلال الجمعية.

في المشروع، يوجد موظفتان من أصحاب متلازمة “داون” يساعدون بالعمل ولهم راتب ثابت، وهم يرتادون مركزاً تأهيلياً والذي هو “المركز الاستشاري التخصصي” حيث يقومون بتدريبهم على الأشغال وأصبح لهم في السوق ماركة خاصة لمنتجاتهم تدعى “سند” وأقوم بتصريف هذه المنتجات بالمشروع ويعود ريعها بالكامل لصالح الجمعية و أحلم للأيام القادمة أن يكبر المشروع ويكون كل الموظفين من أصحاب “داون” وأتمنى أن تُعمم هذه التجربة في عدة مجالات.
وأتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تحاول دعم الجمعيات التي تهتم بهم. هذه الجمعيات لا تمويل ثابت لها أو أي مساعدة مالية، يُضطرون أن يأخذوا أقساطاً من أهالي الأولاد ليتمكنوا من تدريبهم. للأسف السنة الماضية لم يطل التدريب مجموعة من الأولاد الذين عجز أهلهم عن دفع مصاريف تدريبهم.

 

 

*- ماذا يقدم مقهى “ورق عتيق” غير فسحة القراءة؟
“ورق عتيق” مكان يحتضن النقاشات الفكرية والثقافية، نقاشات في مضمون بعض الكتب التي تتم قراءتها، لدينا أيضاً أمسيات غنائية أسبوعية، يطل من خلالها مطربون ينشدون أغنيات تراثية بمرافقة عزف العود والكمان.
في هذه الأمسيات يتواجد شخصيات مجتمعية هامة كالأطباء والجراحين والمهندسين والعازفين إضافة لشريحة الشباب أصحاب الهوايات الفنية والثقافية، والذين وجدوا لهم منبراً من خلال هذه الأمسيات إضافة أننا نقوم بتشجيع أبناء ذوي الشهداء للمشاركة من خلال مواهبهم.
نقدم في “ورق عتيق” مأكولات بسيطة بيتية مشغولة بأيدي ذوي الاحتياجات الخاصة، مشغول بحب (لبنة.. سجق.. زعتر.. ) إضافة للمشروبات.
المكان أيضاً يحوي معرضاً للرسم الفني لتشجيع المواهب، جمعية “أرسم حلمي” التي تعلم الأولاد الرسم من عمر 4 سنوات سيكون لهم معرض دائم بالمكان، إضافة لكل من يرغب بعرض لوحاته الفنية، كما نعرض مشغولات يدوية للمركز الاستشاري التخصصي(scc) وهي مشغولات أطفال ذوي التوحد لهم زاوية دائمة لعرض أشغالهم.
أيضاً دار (دلامون) بدمشق دعمت المشروع ببعض الكتب المهمة وأقول لكتابنا الأعزاء أن يحاولوا دعم المكان بتزويد مكتبة القراءة بكتبهم، ومناقشة الكتب الجديدة ضمن الأمسيات الثقافية.

 

*- ما أهم التحديات والصعوبات التي واجهت المشروع؟
بداية التراخيص والروتين الإداري للأوراق المطلوبة والذي استغرق وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً.
إضافة لتحديات الوضع الراهن، مثلاً تقديم الطعام والمشروبات بحاجة للكهرباء والغاز .. وتأمينها يتطلب إضافة للمعاناة اليومية مصاريف زائدة وبالتالي يرفع من الأسعار ضمن سلسلة الغلاء العامة…
وهنا لا بد من أن أشكر ال (undp) التي دعمت المشروع حتى أبصر النور، وذلك من خلال مشاركتي بمسابقة (تحدي الفكرة الأفضل) وفاز مشروعي من ضمن (27) مشروعاً على مستوى سورية وقدموا لي الدعم ولا يزالون يدعمون المكان والفكرة التي أبصرت النور بدعمهم.
وتختم ضاهر حديثها قائلة..
ورق عتيق مو مجرد مكان…

ورق عتيق فكرة…

فكرة حلوة كتير.

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق