الثورة- حسين صقر:
” أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك عليها ولاتخن من خانك” وهو ماورد في الحديث الشريف عبر كلمات بسيطة الطرح، لكنها حكماً عميقة المعنى.
والأمانات تتراوح بين المادية والمعنوية، وتخص إعادة الدين إلى الدائن، والأداء الجيد للعمل، وحفظ البيوت والأسرار، وحقوق الجار، وهي ثقيلة على الكاهل، ولايقوى على حملها إلا من كانت لديه القدرة على كتمان الشدائد والغيض، وصاحب القلب النقي والبطانة الواسعة، والمترفع عن أنانيته والذي يحب لغيره مايحب لنفسه.
والإنسان صاحب الأمانة يحتوي في صدره وروحه وعقله جميع الفضائل والخصال الحميدة وعواقب أفعاله تنشر الأمن والسكينة، وتعمّق العلاقات الاجتماعية، و تترك في النفوس طاقة إيجابية عظيمة، كما تجعل من صاحبها شخصاُ مقبولاً بين الناس و محبوباُ بين أفراد أسرته، والأهم من هذا أنّ الشخص الذي يؤدي الأمانة، ويبرئ ذمته يرضي الله وعباده، و أداء الأمانة وسيلة لتعميق المروءة وتشجع الأشخاص الذين يسمعون بالوفاء على عمل الخير، كما تعزز الثقة بينهم.
ومن هذا المنطلق لن ينحصر أثر الأمانة على مستوى الفرد وحسب، بل يؤثر على المجتمع بأكمله، حيث يصبح الشخص الذي يحافظ على الأمانة قدوة للآخرين، والناس يتعلمون منه الخلق الرفيع، وبالتالي فالمجتمع الذي تسود فيه الأمانة هو مجتمع خالٍ من الجرائم والخلافات والسرقات، وصيانة للأعراض والأموال.
الأمانة تسهم في منع فساد المجتمع مالياً وإدارياً وحتى سياسياً وثقافياً لأن صاحبها يعتاد الشفافية والوضوح والصدق، كما تجعل الفرد مشغولاً بتطوير ذاته والبحث عما يفيده بالوسائل والطرق الشرعية، كما يجعل المجتمع مهتماً ببناء الفرد وتحسين مستواه، وهو ما يساهم بنشر المحبة والسلام والوئام.
فليس هناك أجمل وأفضل من أن تُوفى العهود وتصدق المواثيق، ما ينعكس إيجاباً على حياة الجميع.
والأمثلة على الأمانة كثيرة، فالعامل الذي يؤدي عمله بإخلاص وإتقان يّعد شخصاً أميناً، والأم التي تربي أبناءها على الخير والصلاح ومحبة الآخرين، تؤدي أمانتها بشكلها الصحيح، و كذلك الفلاح الذي يزرع أرضه بإخلاص فهو يصون الأمانة، وكذلك الطبيب والمهندس والمدرس والمحامي حين يؤدون عملهم بإخلاص فهم يصونون الأمانة، وعندما يؤدون الأمانات تزداد ثقة الآخرين بعملهم ويقصدونهم على قضاء حوائجهم.
فالأمانة مثل الشجرة الكبيرة التي يطيب ثمرها كلما امتدّت أغصانها وسُقيت بماء المحبة والإخلاص، كلما أينعت ثمرات طيبة من العلاقات، عندها، ولقطف ثمار الأمانة لا بدّ من المحافظة عليها والالتزام بها في كلّ وقت، فكل إنسان مستأمن على نفسه وعلى الآخرين وعلى عمله، ولهذا فإنّ كل شخص مسؤول عن نشرها وأدائها على أكمل وجه، ويصبح قدوة للآخرين وعينه قوية، وكلما أدى ماعليه ووفى حقوق الآخرين أقارب كانوا أم أصدقاء ومعارف، كلما شاركه الناس في حل مشكلاتهم وشاوروه في الامور المعقدة، وكلما خان تلك الأمانة وتعامل بأنانية كلما ابتعد عنه هؤلاء وتزعزعت ثقتهم به بدل أن تتعزز ، ويصبح مكروهاً وسيرته على كل لسان ، حتى لو لم يواجهوه.
والإنسان أيضاً مستأمن على جسده وروحه، فإن مرض عليه أن يذهب للعلاج، ولا يجوز له أن يخون هذه الأمانة، لأنّ في هذا خيانة لأمانة الجسد، ومن لا يُستأمن على نفسه وعلى أهله وذويه فإنه غير مستأمن على غيره أيضاً.