ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم :
لا تشي المقاربات الجزئية في قبول الحديث عن مكافحة الإرهاب، بأن ثمة تحولاً يمكن التعويل عليه، خصوصاً أن الخطاب المصدّر غربياً لا يزال ينأى بنفسه عن الخوض في تفاصيلها، وهو لم يحسم موقفه من العناوين بعد!!
لكن هذا لا يعني بأن الجهود الفعلية لكثير من دول المنطقة لم تكسب نقاطاً إضافية في المواجهة يمكن التأسيس عليها لاحقاً، وعلى الأقل أنه أحدث ثغرة واضحة في جدار كان يراد له أن يبقى قائماً، ولم يكن من المسموح أن تتجاوزه الأصوات مهما علت، وهذا على الأقل ما يمكن استنتاجه من عقد المؤتمر الدولي في بغداد لمكافحة الإرهاب.
المفارقة أن ازدياد المخاوف الغربية من ارتدادات الإرهاب لم يقترن بأي تغيير في السلوك الغربي، ولا تزال تلك المخاوف مجرد ظاهرة صوتية بلبوس إعلامي غير جاد ولا تتوافر فيه عوامل الإرادة السياسية، حيث الاجترار الغربي في هذه المسألة يقوم على المفاهيم المعكوسة التي تصبّ جميعها في خانة النفاق وفائض استخدامه.
لذلك ورغم كل النيات الفردية التي قد تطفو على السطح هنا أو هناك، فإن مكافحة الإرهاب مهمة مؤجلة في العقل الغربي حتى إشعار آخر، في حين تبدو لدى الدول والأطراف المتناغمة مع هذا السلوك الغربي مستبعدة من لائحة النقاش إلى أجل غير مسمى، وهي ترى في التعويل على الإرهاب طوق نجاة قد يؤخر لبعض الوقت التداعيات الناتجة عن الشراكة معه.
الفارق بين هذا وذاك أن مبررات الطموح في مكافحة الإرهاب مشروعة، لكن ذرائع الواقعية السياسية تفتقد لعوامل وجودها، كما تعاني من خلل بنيوي ناتج من المقاربات المغلوطة وأحياناً من التمسك بالرهانات الخاطئة القائمة على مسلمات لم يعد متاحاً الاستمرار بها، بعد أن تجاوزتها الأحداث ولفظتها التطورات خارج التداول في سياق عملية التنظيف الذاتي للعوالق والشوائب المتراكمة على أكثر من صعيد.
والاختلاف الجوهري أن ما يسوَّق في الخطاب الغربي وأتباعه في المنطقة يجري تحت سيل من التبعات السياسية، التي تتسابق فيها عملية الخلاص من تراكمات دعم الإرهاب والاستطالات التي طفت على سطح الأحداث، وتحاول أن تركب عربة المراجعة من بابها الخلفي، وأن تغلق كل المنافذ والطرق التي يمكن لها أن تشكل قرينة على ما ارتكبته.
لذلك عندما أجرت تلك الأطراف عملية مسح الكثير من المسلمات في مراجعة قسرية على مفرداتها، كانت تتعمد أن تحصي مساحات الانكفاء بالتزامن مع حالة الانقباض الحادة التي تفرض نمطاً متصاعداً من المداورة في الزوايا، قبل أن تتمكن من قراءة حدود الجبهات التي تتقاطع أو تتطابق مع الإرهاب وهي تناور في موقفها أو تعدل من جلستها.
وعلى القاعدة ذاتها، كان الصوت يرتفع.. وأحياناً يصل حد الصراخ، وفي بعضها يُحدث ضجيجاً متعمداً دون أن يقترن بما يوازيه على الأرض، وحتى الذين تصدّوا للمشهد في الماضي -بتراتبيتهم المختلفة- كانوا على الأغلب صناع إرهاب أو مساهمين في تمويله واحتضانه ومنتجين مباشرين للإرهابيين بقاعدتهم وجبهاتهم.
اليوم.. المعادلة يراد لها أن تبقى على حالها مع تعديل شكلي في أنماط الاستخدام، وأن تكون جزءاً متفقاً عليه من مشهد فضفاض تتسع هوامشه للتغطية على ما يعلق من إضافات غير محسوبة، وأن يتوازى مع معطيات تتزاحم على عتبة الرفض السياسي لفرضية أن الإرهاب المتواتر من طرف واحد لا يمكن أن يتراكم على الطرف الآخر دون أن يحدث انقلاباً في الاتجاه وفي التحرك المتزامن على قاعدة العمل المزدوج في استنفاد فرص التوظيف الممكنة حتى إشعار آخر.
ومن المؤكد أن ما عملت عليه أميركا وأدواتها في المنطقة، من متاجرة أقتضت في كثير من الأحيان أن تكون بضاعتها مما أنتجه الإرهاب، تجد نفسها أمام المراجعة القسرية لتدويل ذلك الانتاج، وتوزيع الاستطالات المتراكمة، بما فيها إظهار الخلاف في تزعم مفردات الإرهاب وأدواته، التي أشعلت في حيز منها المواجهة القطرية – السعودية، لتكون إحداثيات تمهيدية بانتظار قدوم أوباما لتدشين خارطة الأدوار الجديدة..!!
a.ka667@yahoo.com