عيد العمال يُطلُّ اليوم، قبل عيد الفطر (زمنياً) غداً، ليُشكّلا اقتراناً لآلام متلاقية، ومصاعب حياتية غير مسبوقة منذ عقود، يقاسيها العمال وغير العمال، آلام ومصاعب ونكبات يعانيها الشعب كله، وهو يواجه ذلك الطغيان الذي تفرضه علينا تلك القوى البشرية المتوحشة، التي تريدنا أن نكون كما تريد، تابعين خانعين، وهُلاميين على هذه الأرض، نتشكّل كيفما يحلو لهم بقوالبهم الجاهزة، بلا دورٍ ولا كرامةٍ ولا قرار، فأمعنوا في زيادة نكباتنا عبر تفننهم بعقوباتهم الظالمة، وإمعانهم بحصارهم الجائر علينا، الذي طال كل بيت سوري، بل كل شخص، أقلها هذا التقنين الكهربائي الذين يريدون من خلال فرضه علينا بشكلٍ خبيث وغير مباشر، إخراج سورية خارج تقنيات العصر كله، فماذا يعني إقدام الإرهابيين على إحداث تدمير واسع جداً بالبنى التحتية الكهربائية من محطات التوليد والتحويل، ومن شبكات وتجهيزات ..؟! وماذا يعني اغتصاب ثروتنا الوطنية من حقول النفط والغاز وسرقتها على مرأى العالم كله، فلم نعد قادرين على تغذية ما تبقى من محطات التوليد بما تحتاجه من الوقود لتحويله إلى طاقة كهربائية ..؟! وماذا يعني عرقلة توريداتنا من النفط والغاز واعتراض الناقلات القادمة إلينا في أعالي البحار ومضيقاتها لمنع وصولها إلى سورية على الرغم من أننا نستوردها بمبالغ كان من المفترض أن تكون واردات محرزة لخزينة الدولة..؟!.
فأيُّ عالمٍ متوحش هو هذا العالم الذي لا يتوقف عند إرادته بأن نكون خارج معطيات العصر، بل يسعى إلى ذلك ويبذل أقصى الجهود لتحقيق هذا الخروج..؟!.
أي أممٍ متحدة .. وأي نظام دولي ضعيف يرتضي الانجرار وراء التجبّر بمعزلٍ عن أي عدالة أو إنصاف ..؟ أي نظام هو هذا الذي يقبل أن يشيح الطرف عن الحقائق الساطعة محاولاً إخفاءها والدخول إلى عالم أسود مظلم، عبثاً يحاول تسطيعه وتجميله..؟! كل شيء يبدو معكوساً يميل إلى الوحشية والظلم والاستهتار، حتى بدت الإنسانية بمعانيها الفاضلة وكأنها ترفٌ لا طائل منه ولا حاجة إليه، لنراها مضروبة بعرض الحائط تترنّح أمام المحارق الوحشية وأنيابها.
هذه الصورة القاتمة المشبعة بالخطوب والآلام، كانت تتطلّب منّا جميعاً بذل أقصى الجهود، واتخاذ أفضل الإجراءات حتى نتمكن من إنقاذ كل ما يمكن إنقاذه، ولكن مع الأسف فإن أغلب ما نراه من جهودٍ وإجراءات لا ترقى إلى المستوى اللازم القادر على الصدّ والتلافي.
هناك محاولاتٍ مضنية بكل تأكيد، ولكن هناك تقصيراً أيضاً تحكيه مجمل الوقائع والمنغصات اليومية التي تأتينا من كل اتجاه، ويكفي في هذين العيدين المباركين أن نقف على مشارف آلام النقل وصعوباته التي تعرقل الوصول إلى مرابع الأهل والأحبّة، أو على مشارف آلام الأسعار المجنونة التي حرمت الكثيرين من القدرة على تأمين الحد الأدنى لمتطلبات الحياة المعيشية، والسؤال العريض: هل بُذِلت كل الجهود الممكنة ..؟ واتُّخِذت كل الإجراءات اللازمة لتلافي ما يمكن تلافيه من أجل التخفيف عن كاهل الناس تجاه هذين الاتجاهين..؟ في الحقيقة لا نعتقد، ونكاد نجزم أنه على الرغم من كل الصعوبات والمحاولات المضنية كان بإمكاننا أن نفعل الكثير.. والكثير جداً ويكون الواقع أفضل من ذلك بكثير.
على كل حال نقول للأهل والأحبّة: كل عام وأنتم بخير .. وسامحونا لأننا لم نستطع الوصول .. ونقول للأسواق المزدحمة بالبؤس: كل عام وأنتِ بخير أيضاً .. وسامحينا لأننا لم نستطع الوصول كذلك .. !