رغم جراحها النازفة طوال هذه الحرب الإرهابية العالمية المريرة وانشغالها بمعاناتها القاسية، لم تتوقف سورية لحظة واحدة عن التفكير بالقضية الفلسطينية، ولم تتأخر مرة عن تقديم الدعم المادي أو المعنوي لأبناء الشعب الفلسطيني الباسل ومقاوميه الأبطال، سواء في داخل الأراضي المحتلة أو في الشتات، لقناعتها الراسخة بأن هذه القضية هي قضية سورية بامتياز قبل أن تكون قضية عربية أو إسلامية أو عالمية، وهذا ما تجلى بإحيائها المستمر لكلّ المناسبات الفلسطينية، من ذكرى النكبة إلى ذكرى النكسة ومن يوم الأرض إلى يوم الأسير وصولاً إلى يوم القدس والأقصى، والدفاع المستمر عن حق عودة اللاجئين إلى وطنهم السليب وحقهم المشروع في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي البغيض وتحرير أرضهم المحتلة من رجس العصابات الصهيونية وتقرير مصيرهم وبناء دولتهم المستقلة.
وفي كلّ مرة تثبت سورية قيادة وحكومة وشعباً أنها الحاضن الأبرز لهذه القضية الإنسانية العادلة، حيث لا جدال في أن سورية دفعت على مدى أربعة وسبعين عاماً أثمانا باهظة لقاء تبنيها لهذه القضية وهو حقّ لها قبل أن يكون واجباً عليها لأن أبناء فلسطين وسورية يتشاركون التاريخ والجغرافية واللغة والمصير والعقائد الواحدة والهموم والآمال الواحدة منذ آلاف السنوات، وهذا ما يفسّر تكرار الاعتداءات الصهيونية على السيادة السورية في السنوات الماضية إلى جانب دعم الإرهاب، وكذلك الاحتلال الأميركي لمنطقتي التنف والجزيرة السورية والحصار الأميركي الغربي المفروض على السوريين بهدف تركيعهم ودفعهم للتنازل عن الحقوق الفلسطينية والتسليم بالتطبيع المذل والقبول بصفقة القرن المراد منها التصفية النهائية للقضية وبيعها بالمزاد العلني.
وما انعقاد المؤتمر الخامس لاتحاد الجاليات والفعاليات الفلسطينية في الشتات – أوروبا هذه الأيام على أرض دمشق المقاومة سوى برهان جديد على أن سورية ماضية في هذا الطريق حتى تحرير فلسطين وطرد المحتل الصهيوني واستعادة كلّ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأنها جاهزة ومستعدة للمضي قدماً للأمام مهما كانت النتائج والصعوبات، لأن الثمن الذي يمكن أن يدفع لقاء ذلك هو أدنى بكثير من الثمن الناجم عن التنازل والاستسلام والخنوع والقبول بالأمر الواقع.