الملحق الثقافي: حبيب الإبراهيم :
أدّت ثورة الاتصالات والتي هبّت رياحها في العقدين الأخيرين إلى انتشار ظاهرة المواقع الإلكترونية، والمنتديات والملتقيات دونما حسيب ٍأو رقيب ؟ بعضها تخصص في الثقافة والأدب وبعضها الآخر في السياسة والاقتصاد والعلوم والتربية، أضف إلى مواقع للترفيه والتسلية وغيرها من اختصاصات وتوجهات،هذا الأمر دفع بالكثير من الموهوبين وأنصاف الموهوبين وغير الموهوبين إلى إنشاء مواقع إلكترونية ونشر ما يحلو له في ظل غياب أي جهة إشرافية متخصصة، وتقديم ما يمكن أن يشكّل رافداً حقيقياً للثقافة والمعرفة، وهذا ما نلمسه عند تصفح هذه المواقع أو تلك المنتديات أو الملتقيات لنجد الكثير من المنشورات المملوءة بالأخطاء النحوية والإملائية، أضف إلى اعتماد ظاهرة القص واللصق دونما تدقيق وتحوّل كل من يفكّ الحرف إلى إعلامي وصحفي وباحث ومحلل سياسي واقتصادي وتربوي ؟!
في ظل هذا الواقع غير المنضبط تحولت مواقع إلكترونية وصفحات على الفيس بوك إلى منصّات ساهمت بشكل أو بآخر في تزييف الحقائق وتشويه الذائقة لدى المتلقي، فكان لابد من إجراء قانوني لضبط هذه الظاهرة، فجاء قانون الجرائم الإلكترونية والمعلوماتية للحد من هذه الفوضى وكبح جماح من يحاول الإساءة للغير والنشر دونما مسؤولية، واعتقد أن هذا القانون يمكن أن يسهم في إعادة التوازن لعملية النشر وصولاً إلى التحكّم بهذا الفضاء وتعميق المعرفة والابتعاد عن التلفيق والتشويه والتشهير والتي تشكل أذرعاً للتطاول على المؤسسات الوطنية أو الأفراد …. مع انتشار الفيسبوك ظهرت موجات متلاحقة من الصفحات والمجموعات والمنابر والتي تهتم بالأدب والشعر والوسيقا -كما يزعم أصحابها- فكانت الملتقيات الأدبية والروابط والأقلام والنوادي والمنابر وغير ذلك من أسماء ومسمْيات تتنطح للثقافة والأدب و…. ثمّة ملاحظات عديدة على بعض هذه الملتقيات والمنتديات والمواقع الإلكترونيّة والتي أفرزت طبقة غير منتهية ولا أعتقد أنها ستنتهي ممن يطلقون على أنفسهم لقب (أدباء، شعراء،كتّاب،و…و ..) كما ابتدع بعض هذه الملتقيات مسابقات وسجالات ومباريات وكرنفالات، وأسواق و… ولا سوق عكاظ ..!! أضف إلى انتشار ظاهرة (الشاعرات؟!) بكثافة وبأعداد كبيرة، ومن مختلف الأصناف والألوان: العمودي، التفعيلة، النثر، الومضة (الهايكو) وأصبحن يتصدّرن المشهد الثقافي، ويعتلين المنابر، ولا يُشقّ لهن غبار… أما الظاهرة الأكثر غرابة واستفزازاً قيام الكثير من هذه الملتقيات والروابط والمنابر بمنح أعضائها شهادات تقدير ودروع تميّز وأوسمة إبداع حتى وصل الأمر إلى حد منح شهادات دكتوراة مزيّلة بتواقيع وأختام وصور وأحياناً باللغتين العربية والإنكليزية… هي ظاهرة مدهشة ومريبة بآن ٍمعاً..وهي بحاجة إلى وقف فوري، لأن الثقافة والإبداع لا يأتيان من فراغ،لا من ملتقى هنا أو منبر فيسبوكي هناك…المبدع الحقيقي لا بد أن تعانق يداه الحروف ورائحة الحبر وطعم الانتظار،وهذا لا يأتي بين ليلة وضحاها…إنما يحتاج إلى صبر ودربة ومصداقيّة وواقعيّة …وهذا قلما نجده عند الكثير ممن تخرّج من جامعات ومعاهد وملتقيات ومنابر(الفيسبوك)؟!! والتي هي اليوم أكثر من (الهمّ على القلب) ؟؟!!
من خلال متابعة بعض هذه الملتقيات والمنتديات نلاحظ ما يلي: أولا ً-قلّة هم من يمتلكون الموهبة الحقيقية، وناصية الكلمة ولهم باع طويل في الأدب ويمتلكون تجربة لها حضورها ولديهم منجز أدبي وينشرون في الصحف المحليّة، ووجود هؤلاء في مثل هذه المنابر والملتقيات يغنيها ويرفع من شأنها ويعطيها قيمة مُضافة بكل تأكيد.
ثانياً – يغلب على التعليقات التي تنُشر حول هذه المادة أو تلك، المجاملات الفجة والعبارات الفيسبوكية الجاهزة وهي لا تعبر بأي حال من الأحوال عن جودة المادة وموهبة وتجربة وإبداع صاحبها.
ثالثاً – لا تخلو بعض هذه الملتقيات من الشلليّة والتي تقصي المبدع وتقرّب مدعي الإبداع وتعمل على تلميعه وفرضه على المتلقي بوسائل مختلفة… بالمختصر المفيد هذه الظاهرة تحتاج إلى غربلة واضحة وعندها سيظهر الغث من الثمين .؟؟!!
إنّ الإبداع مسألة نوعية وتشكّل محوراً أساسياً للتطور وانتشار المعرفة والمعلومة، وحتى لا نجانب الحقيقة ثمّة مواقع إلكترونية تحترم نفسها وتحترم متابعيها، فتعمل جادة على نشر المعلومة الصحيحة والدقيقة انطلاقاً من شعورها العالي بالمسؤولية، تتجسد في مسؤولية الكلمة الصادقة والصورة المعبّرة بعيداً عن الركض لجمع الإعجابات والمشاركات والتعليقات، وهذا يبدو جلياً واضحاً من خلال مستوى ونوعية المتابعين والمشاركين وخلفياتهم الثقافية والتربوية وسعيهم الحثيث لتطوير هذه التجارب وتقديم وجبات ثقافية معرفية تتّسم بالدقة والموضوعية وصولاً إلى حالة راقية من الإبداع بمختلف أشكاله ومسمياته.
التاريخ:الثلاثاء17-5-2022
رقم العدد :1095