الولايات المتحدة بقيادة بايدن ترفع سقوف التصادم على الساحة الدولية، من دون أي حساب للارتدادات العكسية وتأثيرها على الأمن والسلم العالميين، وهذا يشير إلى أن واشنطن تصارع بشراسة من أجل تثبيت مكانتها القيادية، بعدما بدأت تستشعر بخطر قرب زوال هيمنتها، ومسؤولوها العسكريون والسياسيون بدؤوا يتحدثون بهذه الهواجس، وآخرهم كان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال مارك ميلي عندما أقر بأن بلاده لم تعد القوة العالمية التي ليس لها منازع.
إدارة بايدن حشدت كل أتباعها في أوروبا ضدّ روسيا، وتدفع باتجاه تأجيج الحرب في أوكرانيا، وتوسيع نيرانها، لتمتد على الرقعة الأوروبية بأكملها، كي تضعف كل من روسيا والقارة العجوز في آن معاً، وتحوك ذات السيناريو ضدّ الصين، وتنشئ تكتلات عسكرية في آسيا تحت قيادتها لتهديدها ومحاولة احتوائها، إذ تلعب واشنطن بورقتي تايوان وبحر الصين الجنوبي لإشعال نيران حرب جديدة في تلك المنطقة، وبايدن كان واضحاً بتهديده لبكين بأن قوات بلاده العسكرية مستعدة للمشاركة فيما أسماه “حماية تايوان”، متجاهلاً أنها جزء لا يتجزأ من جمهورية الصين الشعبية، وأنه أخلّ بتعهدات بلاده الالتزام بمبدأ الصين الواحدة، وعدم دعم انفصال تايوان.
الولايات المتحدة ما زالت ترفض فكرة التعايش مع الحضور الروسي والصيني على المسرح العالمي، وتعدهما خطراً استراتيجياً يهدد أمنها القومي، ولذلك أغلقت كل أبواب الحوار والدبلوماسية مع موسكو وبكين، ولم تترك أمامهما سوى خيار المواجهة، وهي تعمد لتوسيع جبهات الصراع على النفوذ الدولي، ربما تصل لحد المواجهة العسكرية بحال غرقت أكثر في حساباتها الخاطئة، فجملة الردود الروسية والصينية على سياسة الغطرسة الأميركية، لا شك بأن لها انعكاسات سلبية تؤثر بشكل مباشر على الكثير من الملفات الدولية والإقليمية، وتهدد الاستقرار الإستراتيجي العالمي، فلكل دولة حساباتها الإستراتيجية والسياسية، وتسعى لتحقيق مصالحها، مع فارق أن الولايات المتحدة تلهث للحفاظ على سياسة الهيمنة الأحادية والتفرد بالقرار الدولي، بينما كل من روسيا والصين تنطلقان من مبدأ ضرورة التمسك بقواعد القانون الدولي، والميثاق الأممي للحفاظ على عالم متوازن، يسوده العدل والمساواة بين الدول.
سياسة التصعيد التي تنتهجها إدارة بايدن على أكثر من جبهة دولية، قد يرى فيها البعض أسلوباً لإعلاء سقوف التفاوض لحل الأزمات الدولية بما يتماشى مع المصلحة الأميركية، ولكن في الواقع، هذا التصعيد هو لإشعال المزيد من الحروب والأزمات، التي تعتاش عليها شركات السلاح والنفط الأميركية، ولكن فرض خيار المواجهة لن يمكن الولايات المتحدة من الاستمرار بتكريس قواعد الهيمنة في ظل التغيير الحاصل على مسار توازنات القوة الجديدة التي باتت تفرضها الدول الصاعدة.