قد تناسب لحظة أخرى، إن لم نتخلص منها مباشرة قد ننقلب إلى النقيض ونقتنع بها، إنها مسوداتنا الكتابية، نعيد صياغتها ونفاجأ أنها أقنعتنا بلا مبرر، بغض النظر عن تفاصيلها ومنطقيتها الآنية وارتباطها بحالة تحكمنا.
تعبير مختلف هذه المرة بعد أن احتفظت بالأجزاء المستبعدة تحدثها كأنك تلحق ذاتك إلى غرفة أغلقتها منذ زمن، بعد أن رميت فيها (كراكيب) بنية التخلص منها معتقداً أنك لن تحتاجها يوماً.
نسيت وجودها تماماً، صدفة ما قادتك إليها، وها أنت تنفض الغبار، وتعيد تأهيلها لتصبح جاهزة للاستخدام مجدداً، بالطبع هناك فرق بين الفكرة والكتابة وبين تلك الأغراض ولكن المبدأ يتشابه.
في الكتابة نحتاج إلى خدعة، حيلة ما تضمن استمراريتنا وانجرارنا خلف أفكار، بينما في الأشياء المادية، أنت لا تحتاج تلك الحيل، كل شيء واضح أمامك، والحاجة تقودك..
إذ كان الكاتب ميلان كونديرا يقول في روايته (كائن لا تحتمل خفته) ” الحب إن لم يُجردك من كل ثِقل فهو ثِقل إضافي في حياتك لا يعول عليه.”
يمكننا القول، إن اعتبرنا الكتابة بديلاً عن الحب، إن لم تتمكن الكتابة من تجريدنا من أثقال الحياة، وإبعادنا عن الغرق في دوامة الاعتيادي واليومي والتافه، إن لم تتمكن من تبديل أحاسيسنا وقلب كياننا وتعميق ذهننا بحيث يصبح قابلاً للانفلات والعيش بابتكار وتجدد في أضيق المنافذ.
إن لم تمتلك كل هذه الميزات …تبقى مجرد ثرثرات من الضروري التخلص منها بعد أن دخلت غرفة (الكراكيب) لأنها أخفقت في الاقتراب من سر الكتابة ومتعتها الأزلية وبقيت مجرد هوامش زائفة لا نفع لها، رميت في وجوهنا، ليصدح بعدها البعض معللين أن أوان الكتابة إلى زوال، وأن الكلمة لم تعد متعة كل زمان ومكان…!.