من أكثر الأخطاء المتداولة في حياتنا التشكيلية الاعتقاد العام الذي يعتبر الفنان الفطري أو الشعبي هو دائماً بلا ثقافة فنية. فأول إشكالية تطرحها عبارة فن فطري تكمن في أن معظم الفنانين يعتبرونها تهمة، حين تطلق على تجاربهم، وخاصة إذا كانوا قادمين من المحترف الأكاديمي، ويمتلكون ثقافة فنية، وهذا الاعتقاد غير صحيح، لأن اللوحة حين تكون حركة خطوطها وألوانها مرسومة بصدق مطلق، قريب من عفوية وتلقائية الفن الفطري يمكن أن تكون صادرة عن فنان أكاديمي أو غير أكاديمي.
فكم من مرة يستاء فنان من إطلاق عبارة فطرية في سياق تحليل أعماله، معتبراً أن هذا يقلل من أهميتها، مع العلم أن إطلاق هذه العبارة، تعني أنه وصل إلى أقصى حدود العفوية والتلقائية والمغامرة على الصعيدين التكويني والتلويني. ولإزالة الالتباس يمكننا القول إن الفنان الفطري يمكن أن يكون أمياً لا يعرف القراءة والكتابة، ويمكن أن يكون عالماً في الفن وناقداً له.
ورغم أن الإحساس بجماليات الفنون الحديثة، يحتاج لمتابعة وثقافة وحساسية بصرية وروحية عالية، حتى يستطيع المتلقي تذوقها، إلا أن هناك أعمالاً أخرى لاتحتاج لثقافة، ويمكن حتى لمن لايعرف القراءة والكتابة، ان يعجب بها ويقتنيها ويدافع عنها، مثل الأعمال الواقعية، التي يمكن أن تنال على إعجاب الجمهور من مختلف المستويات والشرائح والأعمار، ولهذا السبب سميت هذه الفنون في الغرب، بأنها جماهيرية “بوب آرت”.
والمفارقة الجمالية التي يمكن ذكرها هنا تكمن في ان الفنون الفطرية (مثل رسوم أبو الفوارس عنترة) وفن المنمنمات (وخاصة منمنمات يحى الواسطي) لا تحتاج لثقافة من المتلقي، حتى تحوز على قبوله.
أما (هنري ماتيس وبول كلي) فقد عملا على كسر الرزانة الهندسية الموجودة في الزخرفة العربية (التي لم تكن تحتاج لثقافة أيضاً لتذوقها) ثم سار على خطاهما كبار الفنانين العرب المحدثين، الذين تعاملوا مع التراث الزخرفي، وأصبحت بعد إعادة صياغتها بعفوية، تحتاج لثقافة من المتلقي لتذوق جمالياتها الجديدة الخارجة عن إطار الرزانة والدقة الهندسية.