الثورة- عبد الحليم سعود:
في ذروة القلق الدولي والحديث العالمي عن أزمة غذاء كبيرة قد تصيب كوكب الأرض نتيجة العقوبات الأميركية والغربية على روسيا والتي تم فرضها تحت بند دعم أوكرانيا والدفاع عنها بمواجهة العملية العسكرية الروسية، لا يبدو أن هناك شيئا تغير في السياسة الأميركية القائمة أصلا على رفع الميزانيات العسكرية وبيع السلاح وتحييد الدبلوماسية، فمع كل ما يقال عن جولة للرئيس الأميركي جو بايدن إلى بعض دول أوروبا وجولة أخرى له قد تشمل بعض دول الشرق الأوسط، لا أحد يتوقع سوى صب الزيت على نار الأزمات المشتعلة هنا وهناك، لأن الأساس الذي تقوم عليه السياسة الخارجية للدولة الأميركية العميقة هي شن الحروب وافتعال الأزمات لتوسيع نفوذها ونطاق سيطرتها وهيمنتها حول العالم.
ولطالما كانت الولايات المتحدة دولة ذات نزعة حربية وعدائية، فبعد إعلان استقلالها في 1776، وعلى مدى تاريخها القصير نسبيا والذي يقترب من 250 عاما فقط، كانت أميركا دائما في حالة حرب، بحيث لم تتجاوز فترة الاستراحة بين حرب وأخرى الـ 20 عاماً.
يقول داكوتا وود، وهو باحث أميركي بارز متخصص ببرامج الدفاع بمركز الدفاع الوطني التابع لمؤسسة التراث الأمريكية، “كل 15 عاما أو نحو ذلك”، تدخل الولايات المتحدة في صراع، ومن أجل الحفاظ على هيمنتها، انتهكت الولايات المتحدة بشكل صارخ مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وأعراف القانون الدولي مرات عديدة.
يضيف وود “بالاعتماد على قوتها العسكرية، تدخلت الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وخلقت صراعات من خلال شن الحروب وتنفيذ استراتيجيات الاحتواء والتخطيط لما يسمى بـ”التطورات السلمية” و”الثورات الملونة”، وهو ما هدد السلام العالمي بشدة وأشاع الإرهاب وعدم الاستقرار في أربع جهات الأرض.
وإذا ما اقتصر البحث على ثمانين عاما فقط، أي منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، نجد أن الولايات المتحدة قد شنّت أو شاركت في حروب كثيرة، من شبه الجزيرة الكورية وفيتنام ويوغسلافيا وأفغانستان وصولا إلى العراق وسورية وليبيا وأماكن أخرى، وهي حروب لم تسفر عن مقتل الآلاف من الجنود الأميركيين فحسب، بل تسببت أيضا في خسائر فادحة في صفوف المدنيين وخسائر اقتصادية جسيمة للدول المستهدفة، إضافة إلى كوارث إنسانية فادحة، ومن النادر أن تدخلت الولايات المتحدة في دولة من الدول ومن ثم عادت هذه الدولة إلى ما كانت عليه، من دون أن يكون هناك قواعد عسكرية وفرض إملاءات سياسية وتدخل بكل شاردة وواردة، ولعل ما يعيشه كل من العراق وأفغانستان من أزمات سياسية واقتصادية وأمنية هو مثال صارخ على النتائج المترتبة على الغزو أو التدخل الأميركي لهما.
ففي عام 2003، وعلى الرغم من المعارضة الدولية الواسعة، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق بتهم كاذبة ومبررات ثبت بطلانها بالدليل القاطع، ما أسفر عن مقتل مئات آلاف المدنيين العراقيين وتشريد الملايين منهم، وفقا لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة، كما شهد الغزو الأميركي للعراق فضائح أخلاقية وانتهاكات لقوانين الحرب كاستخدام التعذيب في السجون، واستخدام الذخائر المحرمة دوليا في الحرب، كاليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض، وهو ما عرّض البيئة المحلية وصحة الناس لخطر كبير.
يقول تقرير أصدرته في آذار من العام الماضي مجموعة (كود بينك)، وهي مجموعة أمريكية مناهضة للحرب، إن الولايات المتحدة وحلفاءها واصلوا قصف دول أخرى على مدار العشرين عاما الماضية، حيث أسقطوا في المتوسط أكثر من 40 قنبلة في اليوم الواحد. وحتى بعد تولي بايدن منصب الرئاسة بنحو شهرين، شنّ الجيش الأمريكي ضربات جوية على شرقي سورية، ومازالت عناصره ترتكب الكثير من الاعتداءات والانتهاكات اليومية بحق السوريين في الجزيرة السورية إلى جانب سرقة ثرواتهم النفطية ومحاصيلهم الزراعية في خرق فاضح للقانون الدولي.
ويفسر الإنفاق العسكري المرتفع للولايات المتحدة والذي يفوق ميزانيات عشر دول تليها مباشرة في الانفاق، النزعة الحربية والعدوانية للإدارات الأميركية المتعاقبة.
يقول معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في تقرير له، يقترب الإنفاق العسكري الأمريكي للعام 2020 من 778 مليار دولار أمريكي، وهو ما يزيد بنسبة 4.4 بالمئة مقارنة مع العام الذي سبقه، وهي مبالغ لو صرفت لصالح الأمن الغذائي العالمي لما بقي جائع أو مشرد واحد على وجه الأرض، في حين تقترب أفغانستان وهي من ضحايا حروب أميركا من المجاعة، حيث يهدد الفقر والجوع نحو عشرين مليون أفغاني، ونفس الشيء يمكن أن يقال بشأن اليمن الذي لايزال يتعرض لحرب سعودية مدعومة أميركيا، ما يمثل أسوأ كارثة إنسانية في العصر الحديث.
كما كتب ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد، على الموقع الإلكتروني لمجلة ((فورين بوليسي)) قائلا: “الحملات التي لا نهاية لها في الخارج تطلق العنان لمجموعة من القوى السياسية – العسكرية والسرية والسلطة التنفيذية المعززة، وكراهية الأجانب، والوطنية الزائفة، والديماغوغية، وما إلى ذلك- وكلها تتعارض مع الفضائل المدنية التي تعتمد عليها الديمقراطية الصحيحة”.
لذلك لا يمكن توقع أي خير من جولات بايدن القادمة، بل ربما تساهم بتفاقم المشكلات والأزمات الدولية، فالشر والإرهاب يتحركان برفقة الساسة الأميركيين سواء كانوا ديمقراطيين أم جمهوريين.