إيهاب زكي – كاتب فلسطيني:
حين يطالعك صحافيٌ في مقدمة مقاله عما تسمى بـ”الثورة” السورية، بعبارة”الثورة اليتيمة”، لا تستطيع أن تميّز بين الجدّ والهزل فيما يقول، حيث لم أعرف قطّ يتيماً له مئة أب، حيث اجتمعوا فيما عُرف بمؤتمر”أصدقاء الشعب السوري”، من القارات الخمس، ولم أصادف يتيماً تبنته ألف وسيلةٍ إعلامية وأكثر، ولكن أعرف أنّ من يتبرأ منه ذووه يكون في الغالب لقيطاً، لذا وحتى نعرف إن كان الصحفي يقول الجدّ أم الهزل، يجب أن يقول” الثورة اللقيطة” إن كانت ثورة أساساً.
ومن أهم مظاهر ذلك التبرؤ، هي قضية اللاجئين السوريين، حيث تم استخدامهم في البداية كورقة ضغطٍ هائلة إنسانية وأخلاقية ضد سورية، وذلك للحصول على تنازلاتٍ سياسية، أمّا الآن فقد أصبحت عبئاً على من خطط وتآمر لافتعالها منذ اللحظة الأولى.
ورغم ذلك فالسؤال المطروح هو: هل لازالت قضية اللاجئين صالحة كورقة ضغط على سورية؟ وهل من الممكن التلويح بها في وجه سورية للحصول على تنازلاتٍ سياسية؟.
في السؤال الأول الإجابة نعم، هي لازالت قضية صالحة للضغط الإنساني والأخلاقي على سورية، حيث لا يوجد دولة تستطيع احتمال العبء الأخلاقي الناتج عن لجوء مواطنيها في أربع جهات الأرض، أمّا السؤال الثاني فالإجابة القاطعة لا، حيث لا تصلح للحصول على تنازلاتٍ سياسية تقدمها سورية، حيث دفعت سورية فاتورة مغلظة للاحتفاظ بقرارها وسيادتها وسياساتها، ولا يُعقل أنّه بعد دفع كل تلك الأثمان، أن تقدم التنازلات لتغدو كل تلك الأثمان كأن لم تُدفع.
ولكن هناك أطرافٌ لازالت تحاول استغلال اللاجئين لا قضيتهم فحسب للدرجة القصوى من الخِسَّة والنذالة كأردوغان، حيث صرّح المبعوث الأممي من تركيا، أنّ هناك 800 لاجئ سوري يعودون يومياً إلى سورية، وهذا جزء من أوهام أردوغان بالتوطين والتغيير الديموغرافي.
وأردوغان هنا يحاول ضرب كل العصافير بحجرٍ واحد، تخفيف عبء اللجوء الاقتصادي، وتخفيف العبء الانتخابي، كما محاولة تغيير ديموغرافي، على قاعدة ما سُمي بـ”الجدار الطيب”، الذي كان يحاول الكيان المؤقت إقامته جنوباً، حيث تتم محاولات التتريك على قدمٍ وساقٍ دون توقف، وأيضاً استخدام هذه الورقة في ابتزاز كل الأطراف.
ولا نستطيع في هذا السياق القفز عن تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، حيث قال” أدعو المجتمع الدولي للتعاون في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وإلّا سنتخذ موقفاً لا يسرّ الغرب، وهو العمل على إخراجهم بالطرق القانونية”.
ومع استبعاد أن تكون هذه التصريحات في إطار التماس المساعدات المالية، فلا يمكن استبعاد الشقّ الدولي أو الإقليمي من هذه التصريحات، حيث قد يعتبر البعض أنّ عودة اللاجئين من لبنان، ستكون عبئاً اقتصادياً إضافياً على الدولة السورية، ومن الممكن ربط ذلك بالرفض الروسي – الصيني لديمومة فتح المعابر التركية لما يُسمى بالمساعدات الإنسانية، أيّ أن تكون هذه التصريحات صالحة كجزءٍ من المساومة على ديمومة فتح المعابر.
ودونما استباق للأحداث، فإنّ النهاية المحتومة لقضية اللجوء السوري، ستكون عودتهم إلى وطنهم، أعادوا اليوم أم في الغد، وسيصل الممسكون بورقة اللجوء باعتبارها ضغطاً هائلاً على الدولة السورية، إلى نتيجةٍ مفادها، أنّ سورية أولى بالسوريين من أنفسهم.